«الوطن» تكشف فى رحلة داخل ثلاجات الموتى :15 قسم شرطة تنقل 42 جثة مجهولة إلى مشرحة زينهم
ضوء خافت، يلقى بظلال موحشة فى جنبات الغرف الباردة، لا شىء غير الرعب المعتق بروائح المحاليل الكيميائية الحافظة للجثث المبعثرة فوق الأرفف والأسرة ذات الأدوار المتعددة.
هنا ثلاجات الموتى بمشرحة زينهم، حيث قامت «الوطن» بجولة فى عالم آخر، مع 42 جثة مجهولة، بينها 27 قتيلاً وصلت إلى هذا المكان بوفاة طبيعية، أو بفعل فاعل، خلال الأسابيع الماضية عن طريق 15 قسم شرطة فى محافظتى القاهرة والجيزة.
حالة الجثث تثير الشفقة على أناس، عاشوا بهوية، وماتوا وكأنهم لم يولدوا على ظهر الأرض، «تصلب الجثث» إحدى مراحل الموت يوحى بأنها فى انتظار شىء ما، وهى بالفعل كذلك، تتنظر «جرة قلم» لتهنأ برقادها الأخير فى قبر «يلم العضم» ويصون اللحم والعصب حتى يأكله التراب.
الجثث نقلت إلى مشرحة زينهم لتشريحها لمعرفة سبب الوفاة وللاحتفاظ بها فى ثلاجات المشرحة تحت تصرف النيابة العامة التى تأمر بدفن بعض هذه الجثث على فترات على أمل أن يتم كشف هويتها وتسليمها لذويها، وقبل 10 أيام صرحت النيابة بدفن 7 جثث مجهولة لـ6 رجال وسيدة وجميعهم لم يتم التوصل لهويتهم.
عمال المشرحة قاموا بتغسيل الجثث وتكفينها يوم الثلاثاء الموافق 28 أغسطس الماضى، ثم دفنها فى مقابر الصدقة الخاصة بمستشفيات جامعة القاهرة ليصبح عدد الجثث المجهولة فى ثلاجات المشرحة بعد ذلك 35 جثة فى انتظار قرارات من النيابات المختلفة بدفنها.
كل محاضر الجثث عرضت على النيابة العامة لمعاينتها واتخاذ القرار المناسب حسب ظروف وفاة كل جثة، وكانت القرارات عبارة عن عرض بعض الجثث على طبيب الصحة دون تشريحها والبعض الآخر جاءت قراراتها بالتشريح.
الدكتور إحسان كميل رئيس مصلحة الطب الشرعى قال لـ«الوطن» إن قرار عرض الجثة على طبيب الصحة يتم من أجل معرفة إن كانت هناك شبهة جنائية من عدمها وبمعنى عام إثبات أن الوفاة طبيعية، أما قرار التشريح يفيد بوجود شبهة جنائية أى أن الوفاة غير طبيعية وحتى إن كان سبب الوفاة ظاهراً مثل القتل بالرصاص أو عن طريق الطعنات فإن الجثة تخضع للتشريح لمعرفة سبب الوفاة لأنه قد تكون الطعنات التى طعنت بها الجثة أو الرصاص الذى تم إطلاقة على الجثة بغرض تضليل العدالة، فيتم تشريح الجثة للوقوف على الحقيقة، ومن الممكن أن يتم تشريح الجثة وتكون النتيجة أن الوفاة طبيعية فليس معنى تشريح الجثة أن تكون بالتأكيد وفاة جنائية، ولكن النسبة الأكبر فى نتائج تشريح الجثث تثبت أن الوفاة جنائية، حتى إن كانت الجثة خالية من أى إصابات خارجية.
مصدر طبى من داخل مشرحة زينهم فسر لـ«الوطن» ارتفاع أعداد الجثث بقوله: إن الجثث المجهولة ارتفعت أعدادها بعد الثورة وزادت على الضعف، هذا بخلاف أن جميع الجثث المجهولة قبل الثورة كان قرار النيابة بشأنها بعد مناظرتها هو عرضها على طبيب الصحة؛ وذلك لعدم الاشتباه فى وجود شبهة جنائية فى الوفاة، وكانت كل الجثث للمواطنين الغلابة الذين يقيمون فى الشوارع ولا يوجد لهم مسكن والمتسولين ودائماً تكون أعمارهم كبيرة أما بعد الثورة فقد تغير الحال وصرنا نشرح الجثث المجهولة وذلك لوجود شبهة جنائية سواء ظاهرة على الجثة أم غير ظاهرية وبمناظرة الجثث يتبين أنها لمواطنين من أسر وليسوا من المتسولين فى الشوارع كما أن أعمارهم فى سن الشباب.[Image_2]
وأضاف أن كثرة أعداد المجهولين ترجع إلى تقصير الشرطة فى عملها؛ وذلك لأنه قبل الثورة وفى حالة العثور على جثة لمجهول مقتول كانت الداخلية تكثف تحرياتها إلى أن يتم معرفة هوية صاحب الجثة، وكذلك تكشف غموض الجريمة وتقبض على المتهمين، أما بعد الثورة فالداخلية أصبحت سبب ارتفاع عدد الجثث المجهولة لإهمالها، والدليل على ذلك وجود جثتين فى المشرحة، الأولى لشاب يدعى وليد عصام محمد على حضر إلى المشرحة عن طريق قسم شرطة قصر النيل بتاريخ 19/5/2012 بمحضر 3653 إدارى قصر النيل وخضع للتشريح، والجثة الأخرى لتامر عبدالعال عبداللطيف وحضر إلى المشرحة عن طريق قسم شرطة السيدة زينب بتاريخ 28/6/2012 بمحضر 4031 إدارى السيدة زينب، وعرضت على طبيب الصحة لعدم وجود شبهة فى الوفاة وحتى الآن لم تحضر أسرتاهما لاستلامهما، وهذا ما يؤكد عدم إبلاغ الشرطة لأسرتيهما، وتقصير الداخلية، فكيف الحال فى الجثث المجهولة بالتأكيد لن تحاول الداخلية أن ترهق نفسها، وهذا ما يشجع على القتل لأن القاتل مجهول فى معظم قضايا القتل بعد الثورة، وقد طلبت الإدارة من النيابة العامة سرعة إصدار قرارات لدفن جثث المجهولين التى مر عليها أكثر من شهر، وذلك بسبب تعفنها واختفاء ملامحها، على الرغم من أنها موجودة داخل الثلاجات، ولكن فتح وغلق الثلاجات لاستخراج جثة أو للتعرف من قبل الأسر على جثة يجعل الهواء يدخل إلى الجثث داخل الثلاجات ومن هنا تتعرض للتعفن الذى يخفى ملامح الجثة، مما يجعل فرصة التعرف على الجثة من قبل الأسر مستحيلة، وإذا شكت الأسرة فى الجثة من الملابس فهنا لا بد من إجراء تحليل للحامض النووى، ومن هنا تكون التكلفة باهظة وكل ذلك من ميزانية المصلحة، ومن الأفضل أن يتم تصوير الجثث بمجرد العثور عليها ويتم نشرها فى الشوارع والأقسام أو حتى الصحف لكى يتم التعرف عليها، ولكن الداخلية «مش عايزة تتعب نفسها»، لأنه فى حالة التعرف على هوية صاحب الجثة، ستصبح الداخلية ملزمة بتقديم المتهمين للعدالة وفى حالة فشلها سوف تصبح مقصرة، ولكن عندما يكون مجهولاً ويدفن فى مقابر الصدقة مجهولاً، فهنا تدفن معه قضيته وسر قتله.