لم يكتف بشار الأسد بقتل آلاف الأبرياء فى مجزرة تاريخية بشعة، وإراقة الدماء الطاهرة يومياً، وتوجيه الآلة العسكرية الهمجية إلى شعبه، بل أضاف لذلك عشرات الجرائم الإنسانية، والثقافية، ومن ذلك تلك الجريمة الشنيعة التى تتمثل فى استباحة المساجد، وعلى رأسها المسجد الأموى فى حلب، وقام جنوده بسرقة ثلاث شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الأُموى بعد اقتحامه، حسب ما ذكر موقع الأهرام والنيل الإخبارية والعربية نت وقناة الخبر السورية التى صورت ما حدث لكنها ألصقت التهمة بالثوار.
لقد عجزت حكومات الثورات عن منع السطو على تراث الأمة، ففى مصر أُحرق المجمع العلمى، ومنذ فترة ليست بالبعيدة سُرقت من دار الكتب النسخة الأصلية من كتاب «الرسالة» للشافعى.
لكن بادرة أمل طفيفة تمثلت فى قيام الجامعة العربية باتخاذ تحركات فعالة لحماية الآثار السورية، وأن العراق قامت بوضع تحركات سريعة لمنع العبث بالتاريخ السورى لأنها أخذت درساً مما حدث.
تاريخ التعدى على الآثار النبوية تحديداً طويل وليس وليد اليوم، حيث قام الوهابيون بطمس معالم المساجد السبعة فى المدينة وهى: مسجد الفتح والأحزاب وسلمان الفارسى وأبى بكر وعمر وفاطمة وعلى ومسجد القبلتين، وحوّلُوا بعضها إلى صرّافات إلكترونية.!
كما أُزيلت دار كلثوم بن الهدم وسعد بن خيثمة فى قُباء، والداران كان ينزل فيهما الرسول الكريم، بالإضافة إلى دار أبى أيوب الأنصارى التى استقبل فيها الرسول لدى قدومه المدينة.
كما سمحوا للألبانى بنشر كتاب يطالب فيه بإخراج القبر الشريف من مكانه إلى خارج المسجد، كما سمحوا لمقبل بن هادى الوادعى المعروف بكثرة سبابه ولعانه للمخالفين له أن يتقدم ببحث حول القبة المبنية على قبر رسول الله طالب فيها صراحة بإخراج القبر الشريف من المسجد، واعتبر وجوده بهذه الصورة بدعة، وطالب بهدمه!!
كما انتهزوا فرصة الصيانة الدورية للمسجد النبوى لطمس المعالم الموجودة، وعلى رأسها بيتا الشعر الواردان فى قصة العتبى التى ذكرها ابن كثير فى تفسيره: «يا خير من دفنت بالقاع أعظمهُ/ فطاب من طيبهن القاعُ والأكمُ/ نفسى الفداء لقبر أنت ساكنهُ/ فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ».. لكن الملك فهد منعهم من هذا التصرف.
وكان فى مسجد القبلتين علامة على القبلة القديمة إلى المسجد الأقصى فأزالوها، وأزالوا بستان سلمان الفارسى الذى فيه نخلة غرسها رسول الله، وردموا بئر «رومة» التى اشتراها عثمان بن عفان من يهودى وأوقفها فى سبيل الله، وفى مكة حولوا البيت الذى ولد وعاش فيه رسول الله إلى مكتبة!
وفضلا عن إزالة الآثار النبوية فقد هدموا مكتبة شيخ الإسلام «عارف حكمت» الممتلئة بالمخطوطات النادرة، ومنعوا تدريس المذاهب الأربعة فى المسجد، ومنعوا كبار العلماء من إلقاء الدروس فيه، فمنعوا العلامة محمد محمود الحجار، والعلامة سعيد اللحجى الشافعى، والمحقق إسماعيل عثمان، والعلامة عبدالفتاح أبوغدة، والعلامة محمد بن علوى المالكى الذى اتهموه بالكفر البواح، وكادوا يفتكون به لولا تدخل الملك فهد، ولقد التقيت فى السعودية بباحثين سعوديين وسمعت منهم ما تشيب له الولدان من السطو الوهابى على الآثار النبوية الشريفة، فضلاً عما كتبه كثيرون كالشيخ محمد الغزالى فى كتابه «كيف نتعامل مع القرآن»، وإننى أخشى أن يمتد السطو «لأسطوانة السرير» وهو مكان فى الروضة كان ينام فيه رسول الله، و«أسطوانة الوفود» وهو مكان فى الروضة كان الرسول يستقبل فيه الوفود، و«أسطوانة التهجد» وهو مكان كان رسول الله يصلى فيه التهجد. والله المستعان.