ترددت كثيراً قبل أن أكتب عن طالبة الحقوق اليمنية الجريئة «فاطمة موسى محمد»، وهى التى أثارت ضجة كبيرة فى الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب خطابها الشجاع فى حفل تخرجها فى جامعتها «جامعة نيويورك»، واتهامها بمعاداة السامية. ترددى كان نابعاً من اليأس الذى ضرب أوصالنا منذ زمن، فى أن يتغير شىء، وأن ما نردده دوماً عن سياسات أمريكا تجاه الفلسطينيين وإسرائيل، والكيل بمكيالين، وغض النظر عن العنصرية والفاشية الإسرائيلية، وإجرامها بحق الشعب الفلسطينى، والتباكى والصراخ على أى ضرر يصيب إسرائيل، أصبح لا يعدو كونه جملاً حماسية نعزى بها أنفسنا ولا أثر لها أو قيمة، ولا آذان صاغية. لكن تلك الفتاة لم تيأس من الجهر بقول الحق فى صرح أكاديمى عريق وكبير، ومعقل للصهيونية والمتطرفين من اليهود، لم تتردد فى التعبير عن رفضها لهذه الثنائية البغيضة فى التعامل مع أطراف الصراع، فى خطابها الاستثنائى، الذى أثار غضب وحفيظة الصهاينة، وداعميهم فى نيويورك.
الطالبة «فاطمة موسى» كانت المتحدثة باسم خريجى دفعة 2023 من كلية الحقوق بجامعة نيويورك، استثمرت مناسبة حفل التخرج لتفضح الممارسات العدوانية الإسرائيلية والظالمة بحق الشعب الفلسطينى، دون أن تكترث لردود الفعل المؤيدة لإسرائيل فى جامعتها، قالت فاطمة فى كلمتها: «النكبة ما زالت مستمرة، والصمت لم يعد مقبولاً».. ولم تتوقف عند هذا الحد بل دعت إلى الثورة على المؤسسات القمعية فى الولايات المتحدة ذاتها، الأمر الذى أثار هيستريا فى أوساط اللوبى الصهيونى ومؤيديه، وصلت إلى التهديد بقطع التمويل عن الجامعة عقاباً لها لسماحها بنشر الخطاب وطبعاً بحجة «معاداة السامية»، لكن تلك الهيستريا لم تحجب صوت فاطمة وهو يدوى عالياً وسط التصفيق الحاد من زملائها: كل إمبراطوريات الدمار سقطت من قبل.. وليبدأ القتال الآن».
لقد واصل اللوبى الصهيونى مهاجمة الطالبة التى لا تملك سوى كلمة الحق التى جهرت بها بعد الخطاب الذى ألقته باسم كلية الحقوق وانتقدت فيه جرائم الصهيونية والهيمنة الأمريكية، بتهمة معاداة السامية الذريعة التى لا يملكون غيرها للضرب على الوتر الحساس أمام العالم، وسارع أعضاء فى الكونجرس الأمريكى وسياسيون فى ولاية نيويورك بمهاجمة الفتاة الأمريكية ذات الأصول اليمنية، التى لم تنس أصولها العربية، بعد انتقادها دولة الاحتلال، واستمرارها فى إطلاق القنابل والرصاص بشكل عشوائى على المصلين وقتل الكبار والصغار ومهاجمة الجنازات والمقابر، واتهامها لإسرائيل بتنفيذ إعدامات خارج نطاق القانون دون محاسبة، أو مساءلة، ومواصلتها لمشروعها الاستيطانى وطرد السكان الفلسطينيين من منازلهم وأرضهم، مشيرة إلى أن الصمت لم يعد مقبولاً.
خطاب «فاطمة موسى محمد»، دفع العشرات من السياسيين والمنظمات الداعمة لدولة الاحتلال إلى المطالبة بوقف تمويل الجامعة، تحت بند معاداة السامية، فأين كانت تلك المنظمات وهؤلاء السياسيون من الاعتداءات الوحشية بحق الفلسطينيين والاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى والاعتداء على المصلين فى أماكن عبادتهم، والعبث بمقدساتهم على مرأى ومسمع من العالم كله؟! طالبة فى مقتبل العمر لكنها مؤمنة بمبادئها، هزت عرش إسرائيل والولايات المتحدة، بكل إمكاناتهم وقوتهم، مجرد خطاب يعبر عن الظلم الواقع على الشعب الفلسطينى، الذى دعت فيه إلى الكفاح «ضد الرأسمالية والعنصرية والإمبريالية والصهيونية فى جميع أنحاء العالم»، أثار كل هذا الصخب والغضب، والسعى لاتخاذ إجراءات عقابية بحق الجامعة، فى الوقت الذى تقوم فيه إسرائيل بمئات الجرائم بحق الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة على مرأى العالم، وكان واضحاً فيها اختراق القوانين والمواثيق الدولية والأممية، ولم يهتز ضمير أحد من هؤلاء المنددين والمدافعين عن الإنسانية الذين خرجت أصواتهم غاضبة ضد خطاب «فاطمة موسى»، ويطالبون بمعاقبة جامعتها لأنها سمحت لها بالتعبير عن موقفها الرافض للظلم واجتزاء الحقائق؟! وبينما كان الطلاب فى الجامعة يصفقون للطالبة اليمنية مع كل فقرة تتحدث بها، أدى خطابها فى ذات الوقت إلى سخط واسع داخل المؤيدين لليهودية، حيث تم اتهامها بما يوصف من قبل الأمريكيين بمعاداة السامية، حتى إنه تم إسقاط الفيديو من المنصات التى تم نشره عليها، قبل أن يؤدى ذلك إلى إحداث نزاع وإشعال غضب من قبل المؤيدين لخطاب «فاطمة موسى» وتتم إعادة نشر الفيديو. رغم اليأس من تحقيق العدالة ورغم الهيمنة والسيطرة الإسرائيلية والأمريكية على الإعلام، وتشويه الحقائق، لا يزال هناك أمل أن يتحقق العدل وينتصر الحق، ما دامت هناك أصوات حرة تخترق جدار الصمت لإظهار الحق أمثال «فاطمة موسى محمد»، فتحية لهذه الشابة الجريئة التى ألقت حجراً فى المياه الراكدة، وأعادت الجدل لقضية يكاد يطويها التجاهل والنسيان.