انزعجت كثيراً من تلك الحملة التى انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعى تندّد بهدم المقابر الأثرية بالإمام الشافعى والسيدة نفيسة.. أعرف تلك المنطقة جيداً من كثرة زياراتى لمسجد الإمام ومقام نفيسة العلم.. فما أجده من راحة نفسية عندهما لم يتكرر فى مكان آخر قط..!أكاد أحفظ تلك المنطقة بالكامل.. أعرف جيداً ذلك الشارع الضيق الذى يسمونه شارع الأشراف، والذى يصل بين السيدة نفيسة ومسجد أحمد ابن طولون.. يتحدث البعض أن مسجد ابن طولون قد تم بناؤه فى مكان كان معروفاً وقتها بإجابة الدعاء..!!
أعرف الشارع الصغير جيداً كقاطنيه.. كثيراً ما كنت أقرر السير بين المسجدين عبر هذا الشارع تحديداً لزيارة كل المقامات الموجودة به.. مقام السيدة رقية.. قبة فاطمة خاتون.. وغيرهما..!!تظل مقابر السيدة نفيسة والإمام الشافعى الأقدم والأعرق فى القاهرة.. تحمل تلك المنطقة فى باطنها الكثيرين ممن سطروا تاريخ هذا الوادى الطيب عبر كل العصور.. تجد بعض الشواهد على القبور يعود تاريخها لأكثر من خمسمائة عام.. هناك دول عظمى على ظهر هذا الكوكب لا تمتلك تاريخاً بهذا القدم..!
تألمت حينما قرأت بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة تفيد أن هناك نية لهدم المنطقة بأسرها.. البعض يؤكد أن الهدم بدأ بالفعل ويُصحب منشوره بصورة بلدوزر يقف أمام مئذنة كبيرة.. والبعض الآخر ينفى الحدث ويؤكد أن الإزالة لم تطل أثراً واحداً.. بل كانت من نصيب بعض التعديات العشوائية بهذه المناطق -نعرفها جيداً أيضاً- وأن الهدف هو تجميل المنطقة وإعادة تأهيلها..!أقف حائراً بين الفريقين لا أعرف من أصدق.. أعرف جيداً أن ليس كل المبانى بالمنطقة تم تسجيلها كآثار.. بل إن بعض تلك المبانى لا يعود تاريخ بنائها لأكثر من ثمانينات القرن الماضى.
فى المجلس الأعلى للآثار هناك أكواد محددة لتسجيل المبنى كأثر.. كأن يمر على بنائه أكثر من مائة عام.. وأن يحمل طرازاً معمارياً مميزاً.. وإلا كان كل منزل بُنى بالطوب اللبن على أرض المحروسة منذ عهد المماليك تحول إلى أثر..!الخطأ أن أحداً لم يخرج ليرد على كل هذه الادعاءات.. لم يتحرك مسئول واحد من وزارة السياحة والآثار ليعلق على نية الهدم أو حتى الترميم.. الكل شاهد الحملة الشرسة على ما يدور دون أن يكلف نفسه عناء التوضيح..!كل ما تمكنت من الحصول عليه من معلومات كان باجتهادات شخصية أو علاقات بمسئولين بالوزارة.. الجواب كان قاطعاً: لا نية لهدم أى أثر مسجل بالمنطقة.. وحملة الإزالات تستهدف العشوائيات التى طمست معالم المنطقة منذ زمن بعيد..!
الإجابة بالإضافة إلى منطقيتها فهى مطمئنة إلى حد كبير.. ولكن لماذا انتظر مسئولو الآثار حتى أسأل ليجيبوا؟!لماذا لم تتفاعل الوزارة بشكل رسمى مع كل الاتهامات التى طالتها لتنفى وتوضح؟!دائماً ما تتعرض عمليات التطوير للهجوم والرفض.. هو أمر طبيعى تفرضه طبيعة الإنسان المصرى التى تميل للاستقرار حتى ولو كان على حساب جودة الحياة ذاتها.. ولهذا ربما كان الأمر يحتاج إلى من يشرح ويفسر ويبرر.. وهو حق للمواطن وواجب على المسئول طوال الوقت.ربما كان مطلوباً التأكيد أننا دولة تعتز بآثارها.. وتسعى لترميمها والحفاظ عليها.. لا لهدمها أو تدميرها..!