مسؤول ري سوداني لـ"الوطن": إسرائيل وراء "النهضة".. والنيل سيصبح "ترعة"
كشف المهندس حيدر يوسف، وكيل أول وزارة الموارد المائية والكهرباء السوداني السابق، النقاب عن الدور الإسرائيلي الخفي في أزمة "سد النهضة" الإثيوبي، مؤكدًا أن "تل أبيب" وراء فكرة إنشاء السد، محذرًا من أن توربينات "السد العالي" ستتوقف عن العمل حال الاستمرار في بناء "النهضة" بمواصفاته الحالية، وأن النيل سيصبح "ترعة".
وأوضح "يوسف" في حوار لـ"الوطن"، أن التخطيط الإسرائيلي للاستيلاء على مياه النيل بدأ عام 1988، من خلال "فخ" تم نصبه لكل من مصر والسودان يُعرف بـ"مبادرة حوض النيل".. وإلى نص الحوار:
* تقدمت عام 2011 بمذكرة رسمية لوزارة الموارد المائية والكهرباء السودانية عن "سد النهضة".. فما فحوى تلك المذكرة؟
-طالبت في المذكرة بأن تتقدم وزارة الموارد المائية والكهرباء السودانية بطلب لتشكيل لجنة فنية لمعرفة مخاطر السد وفوائده بالنسبة للسودان، بحيث تشمل الأضرار المحتملة على مصر أيضًا، وهي كثيرة، وكان الرد هو أن "السد مفيد للسودان"، وبعدها تم إقصائي عن العمل، عقابًا لي على تقدمي بتلك المذكرة.
*ومتى بدأت إثيوبيا في الإعداد لأنشاء السد؟
-بدأ الإعداد لبناء "سد النهضة" قبل انطلاق "مبادرة حوض النيل" بـ10 سنوات، وهي المبادرة التي كانت سببًا في كل ما يحدث الآن من خلافات بين مصر والسودان من جهة، وباقي دول المنبع من جهة أخرى، وهي بالمناسبة النواة التي خرج من رحمها مشروع السد الإثيوبي.
*كيف حدث ذلك وهي المبادرة التي دعمتها كل من القاهرة والخرطوم ومسؤولي "الري" في البلدين؟
- مبادرة حوض النيل في أساسها "فكرة صهيونية" نشأت في إسرائيل، وبدأ الأعداد لها عام 1988 من خلال دراسة أعدها "هاجى أيرليخ" خبير المياه الإسرائيلي وكانت من 280 صفحة بعنوان "الصليب والنهر.. إثيوبيا مصر والنيل"، وتم الانتهاء منها عام 1992 ومولتها كل من "المؤسسة الإسرائيلية للعلوم" و"معهد السلام الأمريكي".[FirstQuote]
وفحوى هذه الدراسة أن النيل سيصبح "مسألة حياة أو موت" بالنسبة لدول المنبع من ناحية والمصب من ناحية أخرى، وانتهت الدراسة إلى ضرورة قيام إثيوبيا ببناء 26 مشروعًا مائيًا من بينها "سد النهضة"، على أن يتم البدء في إنشاء تجمع أو مبادرة لحوض النيل، تلغي الاتفاقيات التاريخية السابقة وتجمع دول المنبع في اتحاد جديد.
*وما هو الغطاء السياسي لتنفيذ الدراسة؟
-كان "البنك الدولي" والمنظمات والدول المانحة بمثابة الغطاء الذي اختفت خلفه إسرائيل دون علم مصر والسودان، وقد لاحظت هذا وقت أن كنت مبعوثًا من الحكومة السودانية للمشاركة في مشاريع الأبحاث العلمية التي كان "البنك الدولي" و"منظمة السيد" الكندية، وبعض المنظمات الأوربية تمول الأنشطة التي تجرى بشكل دوري في دول المنبع، حيث كانت الدول تتبارى في تقديم البيانات والمعلومات الدقيقة والتفصيلية عن النهر، والاستخدامات الفعلية للدول التي يمر بها.
وفي العام 1995 شاركت في مشروع دولي لتنمية البحيرات الاستوائية، وكانت تظهر خلال المؤتمرات الدولية التي تنعقد في كل دولة "إشارات" بضرورة إنشاء مفوضية للحوض أو مبادرة مقابل المنح المقدمة، وفي العام 1997 تكفل "البنك الدولي" بتنفيذ مشروع أطلق عليه "بي 3" للتعاون بين دول الحوض، وكان المشروع نواة لإطلاق "مبادرة حوض النيل" بتمويل كامل من البنك، بعد أن تم جمع كل المعلومات والبينات عن دول الحوض، وخصوصًا "نوايا" هذه الدول، بما فيها مصر والسودان وإثيوبيا، تجاه النيل.
*وهل كان "سد النهضة" مطروحًا للنقاش في تلك الفترة؟
- بالفعل، تم طرح مشروع السد بعد انطلاق المبادرة بمسميات مختلفة وقتها، إلى أن ظهرت النقاط الخلافية الثلاث الشهيرة في الاتفاقية الإطارية المعروفة باسم "عنتيبي" الملحقة بالمبادرة، ومنها حق الإخطار المسبق بالمشاريع المائية المقررة، واتخاذ القرار بالأغلبية وليس بالإجماع، وإلغاء الاتفاقيات التاريخية، وهو ما اعترضت عليه القاهرة والخرطوم، فتم تعليق النشاط ورفضت مصر والسودان التوقيع على "عنتيبي".
* وما أسباب تمسك دول المنبع بالنقاط الخلافية الثلاث؟
- دول المنبع تسعى إلى إلغاء الاتفاقيات التاريخية بما فيها اتفاقية 1959 الموقعة بين مصر والسودان، والتي تقسم مياه النيل إلى حصص، ليصبح النهر "حوضًا مشتركًا" كما تتمسك الدول الموقعة على "عنتيبي" بأن يصبح القرار بالأغلبية وهو ما يسمح لإسرائيل بالمشاركة في مياه النيل، وخصوصًا أن إثيوبيا تردد دائمًا أن مياه النيل "منحة إلهية" مثل بترول الخليج يمكن بيعها لدول أخرى، لذلك هم متمسكون بالنقاط الخلافية الثلاث.[SecondQuote]
* ولكن القانون الدولي يمنع نقل مياه الأنهار من حوض إلى آخر؟
- لقد تم تغيير هذا القانون ليصبح متوافقًا مع "عنتيبي"، حيث تنص المادة الثانية من اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية في الأغراض غير الملاحية التي أقرتها الأمم المتحدة، على أنه يقصد بـ"دولة المجرى المائي، دولة طرف في هذه الاتفاقية يقع في إقليمها جزء من مجرى مائي دولي، أو منظمة إقليمية للتكامل الاقتصادي مقامة في دولة أو أكثر من الدول الأعضاء فيها جزء من مجرى مائي دولي"، وهي الاتفاقية السارية المفعول منذ أغسطس 2014.
* وهل يسمح ذلك لإسرائيل بالحصول على "حصة" مثلًا من مياه النيل؟
-حسب القانون، إذا أنشأت إسرائيل كيانًا اقتصاديًا مع دول المنبع، فإن من حقها الحصول على المياه وهو ما تسعى إليه الدول عبر المادة الخاصة باتخاذ القرار والواردة في "عنتيبي"، خصوصًا من دول المنبع التي توغلت فيها إسرائيل بشكل كبير.[ThirdQuote]
* وما هي الدول التي تنسق مع إسرائيل في هذا الملف؟
-كل دول المنبع تتباحث مع إسرائيل، وعلى رأسها إثيوبيا، ويكفي أن يكون لإسرائيل طابق كامل في وزارة الموارد المائية والكهرباء في "أديس أبابا"، فضلًا عن تدريب 500 مهندس ري إثيوبي في تل أبيب، كما تم توقيع اتفاقية بين وزارة الكهرباء الإثيوبية وشركة "تل أبيب" لإدارة كهرباء إثيوبيا.
* وهل هذه الاتفاقية تعطي إسرائيل الحق في إدارة كهرباء "سد النهضة"؟
- الاتفاقية تنص على إدارة المشاريع الحالية والمستقبلية، بما يؤكد أن أي دولة تسعى لشراء كهرباء من السد، عليها أن تبحث ذلك مع إسرائيل.
* ومن الذي يمول "سد النهضة"؟
- تقوم بعض الدول والجهات الدولية بتمويل السد "من تحت الترابيزة"، وهناك تقرير تم نشره في مجلة "النيوزويك" الأمريكية قبل فترة يذكر ذلك صراحة، ويؤكد أن "الغرض من إنشاء سد النهضة هو السيطرة على المياه".
*هناك من يروج في داخل السودان أن للسد "فوائد كبيرة" لبلادكم؟
- أضرار السد على السودان خطيرة، حيث من المتوقع أن يُخزن 74 مليار متر مكعب من المياه، وهي كمية أعلى من الإيراد السنوي للنيل الأزرق الذي لا يزيد عن 48 مليار متر، وملء الخزان إلى مستوى التشغيل سيخفض الإيراد الشهري للنيل الأزرق. وكلما كانت فترة الملء الكلي للخزان قصيرة، أي 3 سنوات متواصلة على سبيل المثال، كلما كان الضرر كبيرًا على السودان، حيث سيتحول نهر النيل إلى "ترعة"، ولن تشهد "بحيرة ناصر" تخزينًا للمياه مرة أخرى، بعد أن يتم استهلاك كل المخزون ومن المحتمل أن تتوقف توربينات "السد العالي" عن العمل في العام الثاني أو الثالث من بدء التخزين.
* هناك دراسات علمية تؤكد أن مُعامل الأمان في السد الإثيوبي ضعيف.. وأن انهياره محتمل؟
- هذا صحيح، وفي حال حدوث ذلك فإن السد سيمحو العاصمة السودانية "الخرطوم" من على الخريطة، لأنه بعد الانتهاء من التخزين سيتحرك النشاط الزلزالي في المنطقة نتيجة الوزن الهائل للمياه المثقلة بالطمي المحتجزة خلف السد، وهذا الوزن يمكن أن يؤدي إلى نشاط زلزالي يسبب تشققات في بنية السد قد تؤدي إلى انهياره، ما يعني حدوث فيضان كارثي يزيل 3 سدود كبرى في السودان.
* إذن لماذا تتبنى الحكومة السودانية وجهة النظر الإثيوبية بأن للسد فوائد على بلادكم أكثر من الأضرار؟
- أنا أطرح هذا السؤال دائمًا ولا يوجد لدي تفسير وليس هناك من يريد أن يسمع، وعندما عارضت فكرة إنشاء "سد النهضة" استغنوا عن خدماتي، كما أسلفت، فإسرائيل تخطط منذ أمد بعيد للاستيلاء على مياه النيل، والدليل على ذلك ما هو معروف إعلاميًا بقضية "الفخ الهندي" حينما تم تسجيل مكالمة للمهندس محمود أبو زيد، وزير الري المصري الأسبق، عن مبادرة حوض النيل، وإرسالها لإسرائيل مباشرة، كما تعمد إسرائيل إلى تأليب الحكام في دول المنابع على مصر، بدعوى أنها "ضد التنمية في دول حوض النيل".
*وما الحل من وجهة نظرك؟
- الحل هو السعي لإقناع إثيوبيا بشتى الطرق والوسائل بتعديل المواصفات الفنية للسد، ليصبح أصغر حجمًا وينتج نفس الكميه من الكهرباء، حيث إن كفاءة الخزان طبقًا للدراسات الإثيوبية نفسها 30% فقط، وإنتاجه لا يزيد عن 1800 ميجاوات، وهي كمية محدودة إذا ما قورنت بتكلفة الإنشاءات الباهظة وكمية المياه المُخزنة. ولكني، في الحقيقة، لست متفائلًا، وأتوقع ألا تستجيب إثيوبيا لذلك، بل هي مستمرة في بناء السد بنفس المواصفات.