* الطب من أعظم الرسالات على وجه الأرض بعد رسالة الهداية التى جاء بها الأنبياء وقلّدهم فيها الدعاة الصادقون، فهذه الرسالة تجلو القلوب وتقربها إلى الله، وبعد رسالة التعليم التى تجلو العقول وتزيل عنها الجهل والجهالة.
* ورسالة الطبيب هى رسالة الأحياء «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»، وهى رسالة السيد المسيح، عليه السلام، الذى كان مؤيداً بمعجزة من السماء وعالج الآلاف مجاناً.
* وأرى أن كل طبيب عالم مخلص يهبه الله حظاً كبيراً من التوفيق والسداد بحسب إخلاصه وتفانيه فى مهنته، ويهبه من الفكر الجديد فى الطب ما يخدم به مرضاه ويسعد به البشرية.
* لن يكون للطبيب معجزة ولكن يكون له مدد من السماء كلما أخلص فى مهنته وكان رحيماً شفوقاً عطوفاً بالمرضى.
* لقاء الطبيب والمريض هو لقاء محبة ومودة، هو لقاء مكروب بمن يأمل فى نجدته وإنقاذه من هذا الكرب وهذا الألم.
* والطبيب الصادق يحب مرضاه ويعشق تلك اللحظات التى ينقذهم فيها من الألم والوجع وليس للرزق والمال الذى سيأتى من خلالهم فحسب، ولكنه يعيش أحلى لحظات سعادته حينما يبرأ مريضه من ألمه ويعبر محنته، هذه تساوى عند الطبيب كنوز الدنيا كلها، إنها الوسام الأعظم الذى يتوشحه الطبيب، إنه وسام الشفاء.
* ابتسامة ودعوات المريض بعد الشفاء هى أعظم وسام للطبيب، ليبدأ جولة أخرى مضنية مع مريض آخر، وكلما ازداد تعقيد حالة المريض وشدة معاناته كلما كان التحدى أكبر والفرحة أكبر بعد الشفاء.
* مهنة الطب هى مهنة المعاناة، كل يوم يسمع الطبيب أنيناً وألماً وتعباً ولحظات تقارب الموت أو الهلاك لمريضه وحزناً وبكاءً وجزعاً وتوتراً من أهل المريض، كل ذلك يقابله بصبر أولى العزم، مستحضراً علم وخبرة السنين الطويلة، ناظراً لعون الله ومدده فى دقة التشخيص ونجاح العلاج، خائفاً من الفشل رغم مروره بعشرات الحالات المماثلة.
* لا ينسى الطبيب مرضاه، خاصة الحالات الصعبة والمعقدة، وكذلك المريض لا ينسى طبيبه المخلص الدقيق فى علمه وعمله والرحيم فى أخلاقه.
* ذكريات الطبيب مع المرضى متعددة، وكل مريض له ذكرى خاصة، والمرضى أنواع وأشكال، أكثر المرضى المصريين يئنون من ثمن العلاج الذى يتضاعف يوماً بعد يوم بقفزات غير منطقية وغير معهودة، وأكثر شكوى المصريين الآن من تكاليف العلاج والمستشفيات، وكذلك الدروس الخصوصية.
* معظم المرضى فقراء، خاصة فى الأحياء الشعبية والقرى، بعضهم يشكو ظروفه الاقتصادية علناً، مما يستوجب على الطبيب المساهمة معهم بأى طريقة، فعلى الطبيب أن يقدم يومياً زكاة عمله وعقله وزكاة عيادته حتى يوفقه الله للتشخيص الدقيق ويشفى مرضاه.
* بعض المرضى الفقراء يطلب عينات الدواء المجانية صراحة، وبعضهم بعد أن تعطيه نوعاً أو نوعين يقول لك صراحة: هل لديك أدوية أخرى من علاجاتى؟ فتفهمه برفق أن هذه عيادة وليست صيدلية، وليس لدى كل أدوية المرضى، العينات بسيطة ومختصرة.
* وبعضهم يفتح العينة ويصيح فيك: أربعة أقراص فى الشريط فقط.. أين الباقى؟.
* وبعضهم يأتيك فى زيارته القادمة ليقول لك: أنت ضحكت علىَّ، أنبوبة المرهم نصفها فارغ، فأضحك قائلاً: «يا حاجة هذه عينة مجانية من الشركة، ولا يمكن أن تكون كاملة وإلا لخرب بيت الشركة، وكتّر خير الشركات أن تهب المرضى هذه العينات الكثيرة، ويا حاجة الشركات معظمها أفلس مثل الناس، وقلصت كل العينات، ولكن وجودها أفضل من عدمها»، فترد بأسى: «ماشى يا ولدى، هنعمل إيه».
* غالبية المرضى فى الأحياء الشعبية والقرى فقراء، ويود أكثرهم لو أعدت له ثمن الكشف أو أحضرت له العلاج، وأحياناً أقول لنفسى: كم كنت أود أن أكون غنياً ليست عندى مسئوليات كثيرة وأنا فى هذه السن المتقدمة لأترك الأجر للجميع، ثم أعود فأقول لنفسى: لو كشفت على الناس جميعاً مجاناً، أول شعور سيصلهم أننى دكتور فاشل ولذلك أكشف مجاناً، فأصحاب الفيزيتة العالية تذهب إليهم أعداد كثيرة ولا يسألونهم أبداً عن شىء ولا يطلبون منهم شيئاً.
* لا بد للطبيب المصرى أن يتنازل عن أجره أو نصفه لليتامى والمعاقين والأرامل زكاة عن عمله وعيادته وتقدمه بين يدى توفيقه ونجاحه.
* وأنا أحياناً أحتار مع طريقة تفكير المريض المصرى الذى يصر على مساومة الطبيب حتى لو كان أجره قليلاً بسيطاً، ولا يفعل ذلك مع الأطباء أصحاب الأجر المرتفع المبالغ فيه.
* وهناك مريضة تلح عليك سائلة عدة مرات: هل هذا المرض معدٍّ؟ فتجيب عدة مرات بأنه غير معدٍّ، فتقول: ولكنى سمعت من حماتى أو جارتى أنه معدٍّ، فلا يكون أمامك طريق لإقناعها سوى أن تمس بيدك جلد طفلها وتضعه على وجهك، فتهتف صائحة: آسفة يا دكتور لا أقصد ذلك، وبعد عدة دقائق تقول لك: «يعنى هو مش معدى الحمد لله»، فلا تجبها بعد ذلك، وأحياناً أقول لها: يعنى أحلف لك إنه غير معدٍّ.
* وأغلب المرضى ينسون الروشتة المكتوب فيها التشخيص ولا يحضرون علب العلاج فتضطر للكشف والفحص والسؤال من البداية للنهاية، أما المريض الذكى فهو الذى يصور الروشتة على الموبايل أو يصور الأدوية.
* والغريب أن بعض المرضى المتعلمين أو المتخرجين فى الجامعات يقول لك: البرشامة الصفراء أو الكبسولة الزرقاء أتعبت معدتى، أو سببت لى إسهالاً، فاعترض بشدة: زرقاء إيه وصفراء إيه، ما اسمها؟ الدواء له اسم؟ والده سماه اسماً يُعرف به، الألوان هذه يمكن أن تتغير، فيقول المريض: هو أنا مخى دفتر يا دكتور، فيقول الطبيب: أرسل لى اسمها عبر الواتساب، ودعك من الألوان.
* وأحياناً تقول: البرشام اللى علبته خضراء أو زرقاء؟ فأقول: ما اسم الدواء؟ فتقول لا أعرف، ليظل الطبيب يضرب أخماساً فى أسداس.
* عالم الأطباء والمرضى مشحون بالمفارقات والبكاء والفرحة وكل المشاعر الإنسانية.