(شروق دويات)، هى إحدى الأسيرات المحررات ضمن تبادل الأسرى بين الجانب الفلسطينى والإسرائيلى منذ أيام قليلة، وقد قضت «شروق» ثمانى سنوات فى سجن شديد القسوة بعد أن أصيبت بثلاث رصاصات على يد أحد المستوطنين، لكن رغم كل الظروف الصعبة التى مرت بها كان أول تصريح لها عقب خروجها دعوتها لأسرتها وأهلها وللشعب الفلسطينى بالصمود والصبر، ثم قالت عبارة رائعة وجهتها لأهل وطنها: «المجد ثمنه غالى»!
هذا حقيقى، فالمجد والحرية ثمنهما غالٍ، وتهون الروح والحياة والدم من أجلهما، وهذا ما يعرفه أصغر طفل فى فلسطين حتى أكبر كهل، وعلى مدى خمسة وسبعين عاماً ظل الشعب الفلسطينى، الذى رفض الرحيل وتمسك بالوطن والأرض، يناضل من أجل بقاء قضيته حية، وتوريث مثل هذه القيم والمبادئ، رغم كل محاولات قتلها والقضاء عليها، وربما لو كان هؤلاء الفلسطينيون قد فعلوا كغيرهم وتركوا الأرض ورحلوا عنها فى بقاع الأرض لكانت القضية الفلسطينية قد طواها النسيان، وكانت الدولة العبرية تنعم بالهدوء والاستقرار على أنقاض الدولة الفلسطينية، التى ظلت ضحية المؤامرات والمزايدات والخلافات منذ النكبة وحتى يومنا هذا، لكنهم صمدوا وناضلوا من أجل البقاء!
هؤلاء المناضلون من أبناء الشعب الفلسطينى هم القوة الحقيقية التى ظلت تُبقى على حياة قضيتهم حتى الآن، أيضاً الدولة المصرية على اختلاف أزمانها وحكامها ظلت تضع حل القضية الفلسطينية فى المقام الأول من اهتمامها وعطائها، وأريقت دماء مصرية كثيرة فى حرب ١٩٤٨، ثم دخلت مصر بعدها ثلاث حروب لتحرير أرضها التى احتلت بسبب موقفها الحاسم من رفض الوجود الإسرائيلى، ومن أجل مسئوليتها عن قضية فلسطين، وحين اتخذت قرار السلام كانت القضية الفلسطينية هى واحدة من أهم محاور التفاوض مع الجانب الإسرائيلى، وربما لو كان قادة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الوحيد للشعب الفلسطينى فى ذلك الوقت، قد تجاوبوا مع الرئيس السادات لكانت أمور كثيرة قد تغيرت.
لقد قامت مصر وما زالت تقوم بواجبها الوطنى والقومى تجاه فلسطين، لكن ما حدث فى السابع من أكتوبر وما تلاه من أحداث قد أحيا القضية الفلسطينية، وأعادها للحياة مرة أخرى، بعد أن غابت فى زحام الصراعات والحروب الدولية والإقليمية، وانفراد الولايات المتحدة بتحديد مصائر الدول والشعوب بصلف لا مثيل له، مع تبنى وجهة النظر الإسرائيلية على الدوام، وعادت مصر لمساندة القضية بعد أن استعادت مكانتها الدولية التى اهتزت عقب أحداث يناير وانشغالها فى استعادة قوة ودور الدولة من جديد.
لهذا فإن العبارة التلقائية التى أطلقتها شروق دويات معبرة بصدق عما يجب أن تكون عليه القضية فى المرحلة القادمة، وهى أن تكون بين يدى الشعب الفلسطينى، وأن تجدد نفسها بقيادات وطنية واعية، ممن تمسكوا بالأرض وعاشوا عليها رغم كل الممارسات الإسرائيلية الإجرامية فى حقهم وحق أبناء شعبهم، ورغم أجيال متلاحقة عانت الظلم والهوان وتحملت من أجل البقاء، وزرعوا فى أبنائهم الثبات على مبدأ الوطن وحقيقة الأرض. مصر تساعد وهناك دول عربية وأجنبية تساعد فى حلول دبلوماسية، لكن كامل الحق لن يعود إلا بنضال أبناء الشعب الفلسطينى، حتى يدفع الثمن الغالى للمجد الذى يستحقه عن جدارة.