ما فعله سفيرنا فى السعودية ليس مستغربا، بل هذا المعتاد منذ عقود، وهو إن كان قد انقطع قليلا عقب الثورة فإن ذلك لم يكن عن اقتناع بضرورة بداية عهد جديد، أو التزام بالواجبات والمسئوليات الطبيعية التى يجب أن يؤديها الدبلوماسى، بل كان على سبيل التحايل والمجاراة والمداراة، أو هو انحناء بارد فاتر حتى تمر العاصفة، ثم عاد كل شىء إلى حاله، لنجد أنفسنا أمام هيئة دبلوماسية بائسة مكدسة بالموظفين لنظام يحاول بكل بجاحة ووقاحة أن يستعيد قواه.
لقد تحولت الأغلبية الكاسحة من الدبلوماسيين المصريين بمختلف درجاتهم فى زمن المخلوع إلى «تجار شنطة»، لا تشغلهم السياسة وشئونها ولا الثقافة وتجلياتها ولا يعنيهم التأمل فى تجارب التنمية بالبلدان التى يمثلون مصر فيها ليلتقطوا منها ما يفيدنا، بل تنصرف أذهانهم إلى رعاية أموالهم القليلة، وإدارة أعمالهم المحدودة، والبحث عن أمتع السبل وأرخصها لتزجية أوقات الفراغ والتثاؤب الطويلة.
ولهذا كلما ذهبت إلى بلد اشتكى لى بعض أعضاء الجالية المصرية هناك من إهمال السفارة، وهمس فى أذنى بعضهم بكلام كثير عن أن ما يشغل الدبلوماسيين، لا يزيد على تكديس الدولارات، وشراء الهدايا، وفتح منافذ لأعمال تخصهم قد تكون جلب سلع من مصر وإليها، لتتحول «الحقيبة الدبلوماسية» بكل ما تحمله من رمز ومعنى وتاريخ ومضمون وشكل إلى «شنطة» تاجر أنيق مُحَصَّن فى المطارات.
سبق أن حذر الباحث والمناضل اليسارى البارز المرحوم الدكتور أحمد عبدالله رزة قبل نحو ربع قرن من اغتراب الدبلوماسيين عن «مصر العميقة» لأن اختيارهم يخضع، فى الغالب الأعم، لمعايير اجتماعية قاسية وزائفة، وها نحن نجنى ثمار عدم الإنصات إلى هذا التحذير، ونسمع إجابة جاهزة عن أن ثورة الاتصالات الحديثة نالت من دور الدبلوماسى كصانع سياسة، وهى حق أريد به باطل، فتخفيف العبء عليه كان يتطلب منه أن يوجه فائض الجهد والفهم والمسئولية إلى رعاية مصالح الجاليات المصرية فى البلد الذى يخدم فيه، بدلا من الإهمال الجسيم والتواطؤ السقيم.
إننا انشغلنا كثيرا بتطهير الداخلية وتعقب الفساد فى المحليات والجهاز البيروقراطى ومؤسسات الدولة النافذة ونسينا أو تناسينا أن البعثات الدبلوماسية فى الخارج لا تزال تابعة لنظام مبارك، ولذا تعادى الثورة، وتسهم فى عقاب المصريين على تفجيرها. وهذا وضع لا يمكن السكوت عليه، شرط أن نفرق بين كل هؤلاء الدبلوماسيين المستهترين وبين القلة المحترمة التى تعرف واجبها وتدافع عن مصلحة وطنها، وتطالب معنا بوصول الثورة إلى السلك الدبلوماسى.