التجارب الحياتية أحياناً تحفز الدراما لتناولها، وفى أحيان أخرى تسعى الدراما لطرح حلول لمشكلات مجتمعية لا نعلم عنها شيئاً.. أتحدث عن مسلسل (حالة خاصة) الذى عُرض مؤخراً على منصة wach it وتابعه الجمهور بشغف كما ارتبط نفسياً وعاطفياً ببطل العمل «نديم- النجم الشاب طه دسوقى».
وقبل الحديث عن العمل نبدأ من متلازمة أسبرجر، وهى اضطراب فى النمو العصبى تتميز بصعوبات كبيرة فى التفاعل الاجتماعى والتواصل غير اللفظى، بالإضافة إلى أنماط مقيدة ومتكررة من السلوك والاهتمامات، متلازمة أسبرجر تم دمجها مع حالات أخرى ذات صلة فى ما يُعرف الآن باسم اضطراب طيف التوحد ولم تعد تُعتبر تشخيصاً مستقلاً.وتسمى متلازمة أسبرجر متلازمة مشاهير، فنجم كرة القدم الأكثر مهارة وتفوقاً، اللاعب الأرجنتينى ليونيل ميسى قال عنه مهاجم المنتخب البرازيلى السابق روماريو، إنه عانى فى طفولته «متلازمة أسبرجر»، أحد أطياف التوحد، حين استغربت أسرته ميله للعزلة ومعاناته فى تكوين صداقات، واليوم ميسى واحد من أساطير كرة القدم فى العالم يحقق إنجازات لا تتوقف بسبب موهبته غير الاعتيادية فى الكرة.
و«أسبرجر» هى المتلازمة نفسها التى أشار موقع «رانكر» إلى أنها أصابت كذلك رائد التكنولوجيا والأعمال الخيرية ومؤسس مايكروسوفت بيل جيتس، فقد واجه اضطرابات وعدم اتزان ومشكلات فى التواصل، ولكنه نجح فى تجاوز كل ذلك، وبات من أهم رواد الأعمال فى العالم، وغيّرت مشاريعه مصائر كثيرين، فيما صُنف مراراً كأغنى رجل فى العالم وفقاً لقوائم متعددة.
المتلازمة ذاتها كذلك رافقت الممثلة الأمريكية الحاصلة على جائزة «إم تى فى» داريل هانا، وقد تحدثت الفنانة بانفتاح عن مرضها وكيفية تعاملها مع حالتها منذ سنوات.
قيمة مسلسل «حالة خاصة» الأساسية أنه ينشر وعياً عاماً بخصوصية المصابين بالتوحد ومشكلات التنمر بهم أو محاولة استغلالهم، والكشف عن أن الدعم النفسى لهم كفيل بأن يقدم للعالم عبقرية فى أحد المجالات.
هذه العبقرية المختفية خلف حاجز عدم القدرة على التعبير عن النفس أو التواصل مع الآخرين، فنحن أمام محامٍ شاب يتدرب على المرافعة ألف مرة حتى يفوز بالبراءة.. وقد يحسب البعض أنها مهمة سهلة أمام إنسان «خالٍ من الشوائب» يقدم براءته وسريرته النقية فى كل موقف، ويداوى نقاط ضعفه بذكاء وقبول (الأصوات المرتفعة) مثلاً.
المؤلف «مهاب طارق» تعمّد أن يضع الصراع المادى طرفاً فى معادلة نجاح «نديم»: عمه الذى ينكره، وإرثه الضائع رغم استغنائه بقيمة الفوز فى مسابقة «من يربح المليون؟».. فقط ليضطر نديم للخروج من قوقعة العمل بواحد من أكبر مكاتب المحاماة، لينجح فى تأسيس مكتب مستقل بمساعدة المحامية الكبيرة التى يعمل معها «غادة عادل» وهى أم لطفل مصاب بنفس المرض.. وهكذا يحقق وصية أمه الأولى بأن يكون محامياً ناجحاً.
«نديم» رغم توحده لا تضطرب مشاعره ولا تتبدل، إنه لا يفهم كثيراً ألغاز المشاعر، لكنه يصر على تحقيق وصية أمه «أن يُحِب ويُحَب».. والغريب أن «رام الله» هى التى تضطرب طويلاً بين اختيارات متناقضة: أنه واضح ومباشر وصادق وأكثر إنسانية من الجميع حتى فى قلب المنافسة الحامية بين المحامين الشباب الذين يسعون للنجاح بكل السبل.
الخلفية الموسيقية لفرقة «المصريين» مع ألحان الموسيقار هانى شنودة تمثل الملجأ والملاذ لنديم من كل الصراعات التى تدور حوله، وكأنه يهرب من الضجيج والخداع إلى كلمات تضمه وتمنحه صحبة لا يخشاها.. خاصة بعد رحيل «عم جميل» وهى شخصية مرسومة بعناية قدّمها باقتدار الفنان «نبيل على ماهر».
«حالة خاصة» تجربة استثنائية فى الدراما المصرية، لأنه قدّم «النموذج» دون أن يجرحه أو يقلل من شأنه، بل على العكس قدّم إنسانيته وعبقريته، ويُحسب للمخرج عبدالعزيز النجار تلك الضفيرة المحكمة التى تربط الأحداث، والإيقاع المتدفق بالحيوية.