يظن الكثير من العوام فى بلدتى بالصعيد وبالقرب من منزلى ومن عيادتى بالإسكندرية على عكس الحقيقة أن لى شأناً فى الدولة المصرية أو على الأقل دلالاً على الحكومة أو بعض المسئولين، وأحاول دون جدوى أن أقول لهم إننى داعية غلبان لا علاقة له بالمناصب وأهلها وإننى لا أريدها ولا تريدنى.. ولا أرغبها ولا ترغبنى حتى إننى لست موظفاً فى الحكومة ولم أحاول العودة إلى وظيفتى بعد أن خرجت منها بعد الاعتقال أو السجن، وحينما فكرت فى ذلك قابلنى د. سليم العوا قدراً فى الإسكندرية، فسألنى عن أحوالى فقلت: سأحاول العودة إلى وظيفتى بوزارة الصحة، فقال: «مثلك لا يكون موظفاً»، فقلت فى نفسى: «قطعت جهيزة قول كل خطيب».. ورأيتها رسالة قدرية نطق بها د. العوا الذى أثق فى حكمته، فتركت الأمر برمته واسترحت وأرحت غيرى من عناء الرجوع.
ورغم ذلك كله، يتقاطر الغلابة علىّ، هذا يريد أن يعين ابنه فى وظيفة.. وآخر يصر على أن تنال بركتى «حسب قوله» ابنه المهندس الذى لا يجد وظيفة حتى الآن رغم حصوله على تقدير جيد، وثالث يريد أن يتوظف وهو فى الأربعين من عمره خارقاً كل القوانين «مادامت الحكومة حكومتنا وزيتنا فى دقيقنا».. ورابع يريدنى أن أفعل له كذا وكذا.. وهذه يتيمة.. وهذه معوقة.. وهذا مريض.. وأنا أناشد ربى صباح مساء بكل مشاعرى: «اللهم إنى غلبان مسكين ولا أستطيع فعل شىء فى هذه الطلبات، فأنا نكرة من النكرات.. اللهم أكرمنى وأكرم بى.. وارحمنى وارحم بى.. وأسعدنى وأسعد بى.. وسامحنى واجعلنى متسامحاً.. يا رب دبر لى أن أسعد كل هؤلاء رغم قلة حيلتى وضعفى».. فأنجح فى مسعاى مرات وأتأخر أو أفشل مرات.. ولكنه شرف المحاولة الذى أعلم أننى سأثاب فيه على نيتى.
وفى هذه الأيام، حدثنى الكثيرون عن قرار الحكومة بإغلاق المحال التجارية الساعة العاشرة مساء ً وكلهم يقولون لى: هذا القرار كارثة أو ظاهره الرحمة وباطنه العذاب «أو قرار غير مدروس».. أو «قرار أعور» أى ينظر للأمر بعين واحدة.. واستمعت إليهم ووعدتهم بأن أوصل صوتهم إلى الحكومة عبر هذا المقال.. فالحكومة نظرت للأمر بعين توفير الطاقة الكهربائية فحسب وهذا صواب.. ولكنها لم تنتبه إلى ما قاله الكثيرون من أن إنارة المحال التجارية ليلا ً هو السبب الحقيقى فى وجود الأمن والأمان فى هذه الشوارع خاصة أن الشرطة غير موجودة عملياً والإنارة العمومية للشوارع غير موجودة على الإطلاق وجميع شوارع المدن الكبرى شبه مطفأة وستزداد ظلاماًً بعد العاشرة حيث ستغلق كل المحال التجارية.. وإذا حدث ذلك ستكثر السرقات ويزداد السلب والنهب وتكثر حوادث السطو المسلح.. والقتل والبلطجة وتشيع تجارة المخدرات أكثر مما هى رائجة الآن.
ولم تنظر عين الحكومة أيضاً إلى السلبية الخطيرة لقرارها فى تشريد مئات الآلاف من العاملين فى المولات التجارية الكبرى ومحال الملابس التى يبدأ البيع فيها بالليل خاصة فى الصيف، فلا أحد يشترى شيئاً فى النهار فى مدن مثل القاهرة والإسكندرية والأقصر وأسيوط والمنصورة وأسوان وخاصة فى مناطق الصعيد التى تبلغ درجة الحرارة نهاراً أكثر من 40 درجة مئوية.. والخلاصة أن هناك «شفت كامل» سوف يطرد من عمله.. فإذا كانت هذه الآلاف ستشرد من عملها فلن تجد أمامها سوى الجريمة وتجارة المخدرات أو الانكفاء على اليأس والقنوط.. وخاصة أن سوق العمالة المصرية بالخارج انخفض بشدة بعد المشاكل التى حدثت للمصريين فى ليبيا.
يا حكومة، هذا القرار سيفتح باباً واسعاً وجديداً للرشوة للموظفين المشرفين على أمر الغلق.
يا حكومة، انظرى بالعين الأخرى إلى الغلابة والبسطاء الذين ستقتلهم البطالة بالإضافة إلى اليأس والفقر.