الحديث عن نزول عمر سليمان المفاجئ لحلبة المنافسة الرئاسية ثم خروجه غير المتوقع منها ليس حديثاً عن الماضى بل عن المستقبل، هو حديث عن آخر وربما أسرع وأذكى عملياته التى ستحدد مسار أخطر انتخابات رئاسية فى تاريخ مصر. نجحت العملية برشاقة بالغة فى إحداث مفاجأة استراتيجية أدت إلى إرباك الحسابات فى اللحظة الأخيرة، والأهم أنها أحدثت تمويهاً استراتيجياً عالى المستوى أدى إلى سحب انتباه كافة القوى السياسية والثورية إلى ما اعتبروه «الخطر الأكبر» لإفساح الطريق أمام المرشح الأكثر فرصاً من نظام مبارك، أى عمرو موسى. أما الإنجاز الأكبر لعملية سليمان فكان نجاحها فى «التمرير النفسى» لقرارات استبعاد أقوى مرشحين من خارج النظام؛ الشاطر وأبو إسماعيل ( ألم تستبعد اللجنة عمر سليمان ذاته؟). أدت العملية إلى نتيجتين سياسيتين غاية فى الأهمية؛ الأولى غير مقصودة وتمثلت فى حالة الارتياح العام التى سادت قطاعات واسعة من المصريين العاديين بعد استبعاد المرشحين الثلاثة ذوى اللون السياسى «الفاقع». أما النتيجة الثانية -المقصودة غالباً- فهى أن من بقى من المرشحين هم ممن قدموا أنفسهم طوال الشهور الأخيرة للناس باعتبارهم «الرجل الثانى الاحتياطى» لرجل أول قوى، هكذا كان الانطباع عن مرسى مقارنة بالشاطر، وعن شفيق مقارنة بسليمان، وعن أى مرشح سلفى بديل لكاريزما أبو إسماعيل. وبما أن علم النفس السياسى يعلمنا أن الانطباعات الأولى عن القادة السياسيين تدوم ويصعب تغييرها، فإن الأرجح أن الجماهير لن تقبل برجل ثانٍ فى جماعته فى منصب الرجل الأول للبلاد، والمؤكد أن فرص هؤلاء «الثوانى» ستكون أقل بكثير من «الأوائل». أخيراً ولحسن الحظ بقى مرشحان «أصليان» نجح كل منهما فى بناء «صورته الرئاسية» الواضحة لدى مؤيديه رغم اختلافهما سياسياً؛ عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى؛ فالأول يحظى بتأييد طيف واسع من مناصرى الثورة، واكتسب صورة أكثر الإسلاميين انفتاحاً على كافة التيارات الوطنية الديمقراطية، والثانى يحاول كسب أوسع قاعدة من مؤيدى النظام السابق، ويحاول بناء شرعيته على أنه أفضل وجوه النظام والأجدر بقيادة مهمة إصلاحه.