في الذكرى الـ156 لبدء الحفر.. فأس الجد في يد الحفيد لشق قناة جديدة
شقّت المعاول، الصحراء بالمهانة والذل لعشرة أعوام كاملة، ذاق فيها الفلاحون الأمرين من أجل حفر قناة تصل البحرين الأحمر والأبيض المتوسط ببعضهما بعضًا، وكان يوم الرابع والعشرين من أبريل في العام 1895 شاهدًا على شق أهم ممر ملاحي في العالم.
الفرنسي فرديناند دي لسبس، هو من فكّر في شق "قناة السويس"، الذي كان على صلة وطيدة بالخديو سعيد باشا، واقترح عليه إنشاء قناة تربط بين البحرين الأبيض والمتوسط، وهيّأ له أن لها مزايا عديدة على مصر، فقَبِل الخديو عرضه تعبيرًا عن امتنانه لصداقتهم القديمة، على أن يتم إنشاء شركة خاصة للمشروع من أصحاب رؤوس الأموال الأجانب، ليبدأ نحو مليون فلاح مصري رحلة الحفر المريرة التي استغرقت نحو 10 سنوات منذ العام 1859 حتى 1869، عانى خلالها العُمال المصريين أشد المعاناة.
بدأت فصول معاناة العمال بنقض الشركة وعدها بحفر قناة ماء عذب لمد العمال بمياه الشرب والحفاظ عليهم من العطش، إلا أن شدة العطش والانهيارات الرملية أدت إلى سقوط الآلاف منهم، قبل أن يهلك آخرون بسبب انتشار الأوبئة.
وعد آخر نقضته الشركة الفرنسية التي تولت الإشراف على أعمال الحفر، حيث تعهدت بتوفير وسائل متطورة في الحفر، إلا أن ما حدث هو إكراه العمال على العمل في ظروف قاسية معتمدين على سواعدهم أولاً ثم الفأس والقفة، وكانت تفرض عقوبات صارمة على الهاربين من الحفر، فراح ضحية حفرها أكثر من 125 ألف مصري على إثر الجوع والعطش، ومعظمهم لم يستدل على جثمانه ودفن في الصحراء أو تحت مياه القناة.
كانت مدينة الزقازيق هي المنطقة المخصصة لفرز العمال، حيث كان يستبعد بها أصحاب الأجسام النحيلة والاعتماد على الأقوياء، الذين يرسلون إلى منطقة القناة سيرًا على الأقدام في 4 أيام وهم مقيدون بالحبال في مشهد أكثر ذلًا وهوانًا أمام ذويهم.
الشركة تمادت في تعنتها ولم تدفع أجور العمال، واستمر نقص المؤن والملابس والأحذية، كما أنشأت معتقلًا يُرسل إليه من يسيء السلوك، وعلى الرغم من إنشاء إدارة طبية ومركزاً لإسعاف المرضى، إلا أن الأوامر صدرت بتركيز جهودها فقط على رعاية الموظفين الأجانب، ما عرض العمال المصريين للموت بشكل مجحف نظرًا لشدة فتك الأمراض بهم.
أقيم حفل كبير بمدينة بورسعيد في مايو عام 1869، حضره معظم ملوك وأمراء أوروبا ورؤساء الحكومات ورجال السياسة والعلم والأدب والفن، وأنفق عليه الخديو إسماعيل أموالًا خيالية ربما ساهمت بشكل كبير في تفاقم الديون على الحكومة المصرية وتحكم الدول الأجنبية في اقتصادها.
في أكتوبر 1888، وقعت الدول الكبرى على اتفاقية "القسطينطينية" الخاصة بضمان حرية المرور في القناة ووقعت عليها كل من بريطانيا العظمى، فرنسا، النمسا، المجر، إسبانيا، إيطاليا، هولندا، روسيا، تركيا التي وقعت الاتفاقية نيابة عن مصر.
حلم "قناة السويس" لم يغب عن المصريين لحظة منذ أن باتت حقيقة على الأرض يذهب خيرها إلى تلك الشركة الأجنبية التي أعطاها الخديو سعيد امتياز إدارتها لمدة 99 عامًا على الأراضي المصرية، ليأتي الزعيم المصري جمال عبدالناصر، ويتخذ قرارًا تاريخيًا بتأميم شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية في 26 يوليو 1956 السويس، خلال خطابه الذي ألقاه في ميدان المنشية بالإسكندرية، ردًا على سحب الولايات المتحدة عرض تمويل السد العالي بطريقة مهينة لمصر، ثم تبعتها بريطانيا والبنك الدولي، وخرجت جموع المصريين إلى الشوارع تأييدًا لقرار الزعيم وسط حالة من الفرح والبهجة.
التأميم لم يكن آخر المشوار لقناة "الخير"، فكان للرئيس عبدالفتاح السيسي رأي آخر في 5 أغسطس 2014 حينما أعلن تدشين مشروع حفر قناة جديدة موازية للممر الملاحي الحالي بطول 72 كم، فيما يعرف بـ"قناة السويس الجديدة"، لتمكين السفن والناقلات من عبور القناة في الاتجاهين في ذات الوقت، وتلافي المشكلات الحالية من توقف قافلة الشمال لمدة تزيد عن 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، وتقليل زمن رحلة عبور القناة بشكل عام، ما يسهم في زيادة الإيرادات الحالية للقناة.