مذكرات أسامة الباز: "السادات" أسند إليه عملية "إعداد مبارك للحكم"
بكل المقاييس، سواء كانت مهنية أو إنسانية، لم يكن أسامة الباز رجلاً عادياً، ويمكنك وضعه بمنتهى الثقة والتقدير فى خانة «العظماء»، فالمؤكد أن تلك الخانة حصل عليها الكثيرون بـ«صخب وضوضاء وأضواء»، أما هذا الرجل فدخلها بـ«هدوء ووطنية وأفكار» سبق بها (مع السادات) عصره، وظل على إنسانيته وبساطته وبُعده عن الأضواء حتى آخر يوم فى حياته، وإلى اليوم لا تكاد تُلقى اسم «أسامة الباز» على سمع أى مواطن عادى فى الشارع، أياً كانت انتماءاته وتوجهاته السياسية، إلا وتجد رد فعله تجاهه تقديراً واحتراماً، لم يسبقه إليهما غيره، وهذا أمر نادر الحدوث فى بلدنا هذه الأيام.
دعك من تلك المقدمة الثابت معناها وفحواها، وتعالَ نبحث معاً عن «صندوق الأسرار» الذى كان يمتلكه الدكتور أسامة الباز، فالرجل عمل مستشاراً سياسياً للرئيس الراحل أنور السادات فى مرحلة عصيبة للغاية من عمر مصر، قبل أن يكلفه الأخير بتولى مهمة على قدر هائل من الأهمية، وهى إعداد محمد حسنى مبارك من جميع الوجوه، ليصبح جاهزاً حين يشاء القدر لتولِّى حكم مصر، وهو ما حدث بالفعل، ليستمر «الباز» فى منصبه كمستشار سياسى للرئيس.. «مبارك» هذه المرة.
السؤال: تُرى ما حجم وقيمة «صندوق الأسرار» الذى يمتلكه رجل بهذه القيمة وتلك المكانة؟ والإجابة: مؤكد أن الحجم والقيمة يفوقان كل التوقعات. من هنا، دخلت «الوطن» فى رحلة بحث مضنية، للحصول على ما يمكن الحصول عليه من صندوق أسرار أسامة الباز، خاصة أن الرجل أصيب فى السنوات الأخيرة بمرض منعه من القدرة على جمع مذكراته الممتدة من قريته فى «طوخ»، مروراً بالدراسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، إلى العودة والعمل فى سلك القضاء، وحتى الالتحاق بالعمل فى القصر الرئاسى بالتزامن مع الحرب «المصرية - الإسرائيلية» ومفاوضات «كامب ديفيد»، حتى تولِّى ملف القضية الفلسطينية.
إذن، مسألة الحصول ولو على جزء من صندوق أسراره مسألة صعبة، غير أن «الوطن» تمكنت من الحصول حصرياً على الوثائق والمذكرات التى كانت تحتفظ بها زوجته، بالإضافة إلى الكتابات والتدوينات التى كان يعلق بها على الأحداث، وتروى 30 سنة من فترة عمله بالرئاسة. تلك المذكرات رصدتها لنا زوجته الإعلامية الكبيرة أميمة تمام.
عاد «الباز» من أمريكا ليستكمل عمله النيابى فى محكمة الجيزة الابتدائية، وفى إحدى المرات كانت هناك مناسبة لأحد زملائه، فذهب إلى أحد محال الشيكولاتة لشراء هدية، فقابله قاضى المحكمة، وعندما علم منه أنه ينوى شراء حلوى من إحدى المناطق التى يعمل بها، أخبره بألا يفعل، من هنا تعلم «الباز» ألا يخلط العمل بالعلاقات الشخصية. تدرج «الباز» فى عمله سريعاً ليلحق بالمطبخ السياسى، وقتها كانت مصر فى حالة حرب، وكان «السادات» يحكم مصر، ارتبط «الباز» بعلاقة قوية مع «السادات». كان على المستوى الشخصى يحبه، ويرى أن «السادات» شخصية فريدة من نوعها، ولن تتكرر ثانية، واعتمد «السادات» بشكل أساسى على «الباز» فى تولى بعض الحقائب السياسية، وكان يستشيره فى بعض الأحيان فى أشياء مصيرية. وكان «السادات» يجادل «الباز» كثيراً، ويظلان لساعات يتناقشان، كان «الباز» يرى فى «السادات» ذكاءً، وبادله «السادات» الانطباع نفسه.
عندما اختار الرئيس أنور السادات، «مبارك» نائباً له، كان يرى أنه شخص يستطيع أن يكمل المسيرة، لكنه كان يحتاج إلى إعداد، فأوكل مسألة إعداده لأسامة الباز، بداية من اللغة العربية، والنحو، وطريقة إلقاء الخطب، وأسلوب التفاوض، وكيف يتم، لأن «مبارك» كان عسكرياً، ولم يكن مؤهلاً للسياسة، وهكذا تم إعداده سياسياً قبل أن يصير رئيساً. واستمر هذا التدريب لفترة قريبة حتى 2002، بحكم أن «الباز» كان لصيقاً به طوال الوقت بحكم العمل وطبيعته.
فى خطاب للرئيس «السادات» أمام الاتحاد الأوروبى فى السبعينات، كان أسامة الباز يريد أن يوصل شيئاً ما داخل مضمون الخطاب، إذ طالما أوكل إليه «السادات» كتابة خطاباته، لكن «الباز» كتب الخطاب وفقاً لرؤيته وتوجهاته، فقال له «السادات» إن له بعض التحفظات على نص الخطاب، ويريد إجراء بعض التغييرات على مضمونه، وتوجهه، كان الخطاب يتحدث عن القضية الفلسطينية، لكن «أسامة» أصر على وجهة نظره، رافضاً تغيير الخطاب، وكان هناك سجال بينهما، على أثره ألقى «السادات» الخطاب كما يراه هو، وبعدها قال لـ«الباز» إن رأيه كان الأنسب.