"جنينة": لدينا ملفات لـ"أصحاب نفوذ كبير"
قال المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، إنه جرى وضع خطة بالتعاون مع الأجهزة الرقابية، لسد منافذ الفساد خلال الـ5 سنوات المقبلة، وأضاف فى حواره لـ«الوطن» أن آليات تنفيذ هذه الخطة هى الأهم، معتبراً أن النجاح لا يكمن فى وضع خطط ونصوص فى أوراق، لكن فى إنفاذها على أرض الواقع. وأضاف أن جهاز الكسب غير المشروع والنيابة العامة لا يتعاونان مع الجهاز المركزى للمحاسبات، موضحاً أنه جرى تقديم 520 بلاغاً بمخالفات فى الجهاز الإدارى للدولة، وترفض النيابة مد الجهاز بمعلومات حيال التحقيق فيها من عدمه.. وإلى نص الحوار:
■ هل لدينا خطة حقيقية لمكافحة الفساد فى مصر؟
- تم وضع استراتيجية قومية لمكافحة الفساد، بين الأجهزة الرقابية، ممثلة فى الجهاز المركزى للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية والنيابة العامة ووزارة العدل وجهاز الكسب غير المشروع ومباحث الأموال العامة ووزارة الداخلية والمخابرات العامة، وتطبيقها خلال 5 سنوات بدأت فى 2014، وتنتهى فى 2018، وترصد هذه الخطة مظاهر الفساد فى مصر وتقيّمها، وأسباب ودواعى وجود الفساد فى جهة ما بالدولة، وكيفية تجفيف منابعها، ويتم خلالها التعاون بين الأجهزة الرقابية فى المعلومات. وأكدت الخطة الاستراتيجية ضرورة تفعيل ذلك التعاون، وصولاً إلى سد منافذ الفساد، وأقرت تلك الخطة اللجنة التنسيقية العليا لمكافحة الفساد برئاسة المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، ومطروحة حالياً كمطبوعة متداولة، يمكن للأفراد والجهات الاطلاع عليها. لكن نحن اجتهدنا ووضعنا نصوصاً جيدة لمكافحة الفساد، لكن التطبيق وآليات تنفيذها هى الأهم، لأن النجاح لا يكمن فى وضع خطط، لكن فى إنفاذ هذه الخطة بكل قوة، وفعالية تؤدى إلى المستهدف، لأن كل خطة لها هدف، ولن يتحقق لك الهدف بمجرد وضع نصوص فى أوراق.
■ وماذا عن التعاون بين الأجهزة الرقابية؟
- ما زالت هناك معوقات فى التعاون بين الأجهزة الرقابية.
■ كيف تضع تلك الجهات خطة فيما بينها لمكافحة الفساد، ولا يكون هناك تعاون فيما بينهما؟
- لا بد من آلية جزائية إذا خالفت أى جهة من تلك الجهات، أى قانون أو لائحة، تعاقب، لكن إذا أعطينا لكل مسئول حرية الاختيار فى أن يأخذ بالخطة أو لا يأخذ بها، بلا جزاء أو مساءلة، فلن نحقق شيئاً، وهذا لا يصح لإنفاذ هذه الخطة على أرض الواقع.[FirstQuote]
■ هل واجهت كجهاز مركزى للمحاسبات مشكلة فى ذلك؟
- الجهاز بالفعل واجه مشكلة فى المعلومات الخاصة بما تم رفعه من تقارير إلى النيابة العامة، حيث لا تتم الإجابة على طلبات الجهاز، فالنيابة الإدارية يجب أن توافى الجهاز أولاً بأول بالبيانات الخاصة بما تم التصرّف فيه حيال البلاغات التى قدمها الجهاز المركزى للمحاسبات، لأن ذلك جهد مؤسسة اسمها «الجهاز المركزى للمحاسبات»، وليس جهد هشام جنينة، وإذا كنا نريد أن نتعامل كدولة مؤسسات فمن المفروض أن نتعاون فى إنفاذ الخطة الاستراتيجية على أرض الواقع، وعندما يحث رئيس الجمهورية فى لقاءاته بالأجهزة الرقابية على التعاون، ونرى مسئولاً معيناً يرفض التعاون، فماذا أفعل له؟
■ وهل هناك جهات أخرى بخلاف النيابة العامة لا تتعاون مع الجهاز؟
- جهاز الكسب غير المشروع لا يتعاون أيضاً مع الجهاز المركزى للمحاسبات، وهناك قضايا لديه تم تقديمها، لا نعلم ماذا تحقق فيها.
■ لماذا، خصوصاً أن ذلك فى صالح العمل الرقابى؟
- هناك بعض الملفات تطال أشخاصاً لهم نفوذ كبير، والجهاز لا يقف عند هؤلاء، فهم لهم حساباتهم، ونحن عندما نرصد فى تقاريرنا لا نتوقف عند أى شخص أو جهة، مهما كان موقعه أو مسئولياته، طالما أنه يدخل فى إطار عمل الجهاز المركزى للمحاسبات، فيجب رفع تقارير فى أى تجاوزات أو أى إهدار للمال العام، كون تلك الأجهزة لا تسير بنفس سرعة ووتيرة الجهاز المركزى للمحاسبات، فهى تسأل عن نفسها، لماذا لم تحقق فى بلاغات وتقارير مرسلة منذ عامين أو 3 أعوام، ولم يحقق فيها حتى اليوم، ولا نعلم مصيرها، مثل قضية «نواب العلاج» التى أثيرت قبل ثورة 25 يناير بشهرين، وبها تجاوزات بالمليارات على المال العام، وتتضمّن نهب الأموال المخصّصة لعلاج الفقراء على نفقة الدولة، واستغلها بعض المسئولين وأصحاب النفوذ لعلاج زوجاتهم وأسرهم، ولم نسمع أن هناك تحريكاً أو تحقيقاً فى تلك القضية وما تم حيالها، وأرسلناها إلى النيابة العامة، وحتى الآن لم تجب النيابة العامة على مطالب الجهاز، ما الذى تم فى هذه القضية؟
■ كم بلاغاً تم تقديمها إلى النيابة العامة؟
- 520 بلاغاً تم تقديمها إلى النيابة العامة.[SecondQuote]
■ ما موقع مصر فى مجال مكافحة الفساد حالياً؟
- تقدّمنا على مؤشر الشفافية ومكافحة الفساد، وهذا ليس نهاية المطاف، فقد كنا فى المرتبة 114 وتقدمنا 18 درجة وأصبحنا رقم 96 فى مؤشر الشفافية، وهذا يأتى من تفعيل دور الأجهزة الرقابية، لكن الصورة المثلى وما نطمح إليه ليس هذا فقط، لكن نريد أن نكون من أقل الدول فساداً على المستوى المالى والإدارى، وهذا سيكون أحد أسباب قدوم الاستثمارات إلى مصر وتوسّعها، لأن أى مستثمر دولى قبل الاستثمار فى مصر ينظر إلى مستوى تلك الدولة فى مكافحة الفساد، والشفافية بالنسبة للبيانات والمعلومات المتاحة أمامه، لكى يستثمر وهو آمن، وعندما يجد أن موقف الدولة تعزز فى مستوى الشفافية الدولية ومكافحة الفساد، يكون ذلك من بين المحفزات للاستثمار.
■ وما الذى نحتاجه للقضاء على الفساد؟
- لا بد أن يكون هناك قانون لإتاحة المعلومات، والشفافية تحتاج إلى هذا القانون، للحصول على المعلومات الموثّقة، فدور الإعلام والصحافة لا يقل أهمية عن دور الأجهزة الرقابية فى كشف الفساد، لذلك فإن للإعلام دوراً مكملاً للأجهزة الرقابية، فهو أحد الأجهزة التى تشكل ولها تأثير بالغ على الرأى العام فى مواجهة الفساد، فعندما يكون الإعلام مضللاً ومغيباً عن المعلومة الموثقة والصحيحة، فإن ذلك يعد أحد معوقات مكافحة الفساد.
كذلك نحتاج إلى قانون لحماية المبلغين والشهود.
ونحتاج إلى تفعيل دور الرقابة السابقة على المال العام، فأين دور الرقابة المالية السابقة على المال العام، التى يختص بها المراقبون الماليون التابعون لوزارة المالية، نحن نحتاج إلى تفعيل هذا الدور، لأن هذا الدور وقائى يحول دون ارتكاب وقائع الإهدار والتعدى على المال العام.
■ هل نحتاج إلى أجهزة رقابية إضافية فى مصر؟
- لا، لكننا نريد تفعيل دور الأجهزة القائمة، فعندما يضطلع كل جهاز رقابى بمسئولياته، وتتعاون بغرض المصلحة العليا للبلاد يكون هذا هو النجاح الحقيقى، لكن إنشاء أجهزة جديدة وتحميل ميزانية الدولة أموالاً ضخمة «كلام فارغ»، ولا يستطيع أى جهاز رقابى القيام بما يؤديه الجهاز المركزى للمحاسبات، فالأجهزة الرقابية الأخرى هى أجهزة تحرٍّ ومعلومات، أما «المحاسبات» فهو جهاز فحص مستندى، فالجهاز يدقّق فى الملاحظات، كرقابة لاحقة.[ThirdQuote]
■ لماذا دائماً الجهاز المركزى للمحاسبات متهم بالتسلط من قبَل بعض الجهات؟
- هناك رغبة فى تهميش دور الجهاز المركزى للمحاسبات وإخفاء القوة الحقيقية لمؤسسات الدولة، التى كان يتم تهميش دورها، لكن هذا الدور عندما يتم تفعيله يكون فى صالح المواطن، والقضاء على الفساد، فهناك سياسة ممنهجة تفرّغ هذا الدور من مضمونه، وكان هناك جهد يُبذل وتقارير تعد، لكنها كانت حبراً على ورق، والتحوّل النوعى الذى حدث فى الجهاز، أكدنا أن هذه التقارير إن لم يكن لها تفعيل على أرض الواقع بالشكل الذى يواجه الفساد، فالأفضل هو الاستغناء عن الجهاز المركزى للمحاسبات.
■ لماذا لم يتدخل رئيس الوزراء لفض الاشتباك بين الجهاز والنيابة العامة؟
- تدخّل بالفعل رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، لمحاولة تقريب وجهات النظر، بين الجهاز والنيابة العامة، وهى الجهة الوحيدة التى تأخذ هذا الموقف، ولا أعلم لماذا؟ بعد شكواى له من عدم تعاون النيابة العامة، وتدخله هذا كان من منطلق واجبه بحكم ترؤسه اللجنة العليا لمكافحة الفساد، التى تمثل النيابة أحد أعضائها.
■ لماذا أنت دائماً متهم بأنك تستعدى السلطة على القضاء؟
- بعض القضاة يردّدون ذلك، وهذا أعتبره «كلام عيب» يقال علىّ، خاصة أننى قاضٍ قبل أن أكون رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، ودور الجهاز هو كشف المخالفات المالية والإدارية، وهذا طبيعة عمل يكلف به أعضاء الجهاز بحكم القانون، وإذا لم أقُم بدورى أكون مقصراً، للأسف الشديد هم يتعاملون مع الجهاز المركزى للمحاسبات على أنه شخص، وهذا كلام مغلوط، فرئيس الجهاز لا يضع التقارير، وكل دورى حماية المنظومة وتمكينها من أداء عملها.
■ ما تقديرك لحجم وقيمة الفساد فى مصر؟
- عدم تحقيق النيابة العامة فى البلاغات المقدّمة من الجهاز المركزى للمحاسبات يعوقنا عن رصد إجمالى مخالفات الفساد فى مصر وحجم المخالفات المالية، لأن ذلك يتوقف على التحقيقات وما انتهت إليه، ولدينا 520 بلاغاً لا نعرف مصيرها «لعل المانع خير»، لا بد من تنفيذ تكليفات رئيس الجمهورية بسرعة الانتهاء من التحقيقات التى تجريها النيابة العامة، فيما يتعلق بقضايا المال العام، وكذلك التنسيق فيما بين الأجهزة الرقابية، والغريب أن المستشار مصطفى خاطر ممثلاً للنائب العام مشارك فى اللجنة، ووضع الخطة الاستراتيجية، ولم يعترض على بند التعاون ما بين الأجهزة الرقابية، وموقفه غير مبرّر.