حدث في شهر شعبان.. معركة "النهروان"
ورد في كتاب "خصائص الإمام علي" للنسائي، أن معركة النهروان أو وقعة النهروان، هي معركة وقعت بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه والخوارج في موقع يقال له النهروان غربي دجلة سنة في شعبان سنة 37 هـ.
كانت "وقعة النهروان"، ثالث الوقائع في خلافة علي أمير المؤمنين بعد وقعة الجمل وصفين، ولها أهميتها في تاريخ فجر الإسلام والصدر الأول، حيث كانت تلك الوقعة بين علي أمير المؤمنين علي وبين طائفة يقال لهم الخوارج أو المارقة أو الشراة، تلك الطائفة التي تعصبت بعصابة الجهل والغرور، وأظهرت الشغب والفساد في المجموعة الإسلامية حينذاك ومن الذين يضمرون الغل على علي أمير المؤمنين، وكان دأبها النفاق والانشقاق عليه والتخاذل والتخادع بين أصحابه، فسمموا أفكار تلك الطائفة المغرورة بآرائها الشيطانية حتى صارت تعتقد أنها هي الطائفة المسلمة والمسلمون كلهم كفار مشركون.
وصاروا إلى النهروان، فمشى إليهم علي بجيشه حينذاك فوعظهم وحذرهم سوء المصير فما رجعوا ولا ارتدعوا بل شرعوا الرماح وسلوا السيوف في وجهه، وقالوا "الحرب الحرب يا علي لا نريد إلا قتلك كما قتلنا عثمان"، فأفلجهم بالحجج والأدلة من الكتاب والسنة فما ازدادوا إلا غيا، فعند ذلك زحف اليهم بجيشه حتى أتى على آخرهم فملأ النهر من دمائهم والموقع من أشلائهم وكان عددهم أربعة آلاف ولا يحيط المكر السيء، إلا بأهله.
أسباب المعركة:
ترجع الأسباب التي أدت إلى هذه المعركة إلى أحداث معركة صفين التي كانت تدور رحاها بين جيش علي وجيش معاوية، عندما بدأت كفة المعركة تميل لصالح جيش علي، حينها قام جيش معاوية برفع المصاحف على رؤوس الرماح في إشارة إلى طلب التحاكم إلى القرآن، وقبل علي ذلك الطلب غير أن بعض أصحابه لاموه على قبول مبدأ التحكيم وعدوا ذلك بدعة واعتزلوا جيشه، وخرجوا عنه إلى مكان يقال له حروراء ولذلك سمو بالخوارج أو الحرورية، وكان عددهم اثنى عشر ألفا، وكان من رؤساؤهم عبدالله بن اليكشري ويزيد الأرحبي وشبث بن ربعي.
وعندما أدرك علي ضعف موقفه أمام خصمه معاوية حاول استرضاء من خرج من جيشه وطلب منهم الانضمام إليه مجددا ليستأنفوا القتال من جديد ضد معاوية وجيشه، إلا أن الخوارج اتهموه أنه لم يغضب لله وإنما غضب لنفسه ورموه بالكفر وطالبوه بالتوبة والرجوع إلى الإسلام ونادوا بمقولتهم المشهورة "لا حكم إلا لله"، والتي قال عنها علي كلمة حق أريد بها باطل، عند ذلك أدرك خطرهم لا سيما وأنهم تمادوا في تكفير الصحابة واستحلوا دماء المسلمين بتكفيرهم لمجرد ارتكاب الذنوب وقتلوا بعضا من جيشه وأصحابه.
ثم تلقى علي خبر أن الخوارج ذبحوا حاكم النهروان عبدالله بن خباب بن الأرت، وجاريته وجنين في رحمها، كما قتلوا ثلاث نساء من بني طيء وأم سنان الصيداوية، فأرسل لهم علي الحارث بن مرة العبدي للتحقيق إلا أنهم قتلوه هو أيضا وعندما وصل تمردهم إلى هذه الدرجة توجب مواجهتهم، فكان هناك خطر أن يهاجم الخوارج الكوفة بينما علي بن أبي طالب، ولذلك قرر علي أن يوقفهم فغير مسار جيشه إلى الشرق، وعبر دجلة في طريقه إلى النهروان.
كان هناك ترددا في جيش علي بن أبي طالب في قتال الخوارج، لأنهم كانوا رفاق السلاح في حربهم ضد معاوية في "معركة صفين"، بل إن علي بن أبي طالب نفسه لم يرغب في إراقة دماء هؤلاء المتعصبين الضالين، لذلك أرسل إليهم أبي أيوب الأنصاري برسالة سلام فنادى فيهم، قائلا: "من انضوى منكم تحت هذه الراية أو انفصل عن هذا الحزب وذهب إلى الكوفة أو المدائن فسينال العفو ولن يسأل".
نتيجة لذلك، قال فروة بن بن نوفل الأشجعي أنه لا يعرف لماذا هم في حرب مع علي بن أبي طالب ثم انفصل بخمسمائة رجل عن الخوارج، كما انتدب علي لهم عبدالله بن عباس ليحاورهم ويناقشهم في المسائل التي احتجوا بها عليه، فرجع منهم خلق كثير وبالمثل بدأت مجموعة تلو الأخرى في الانفصال، بل وانضم بعضهم لجيش علي بن أبي طالب وفي النهاية، لم يبق سوى مجموعة عددها 1800 من الخوارج بقيادة عبد الله بن وهب.
وأقسم هؤلاء الخوارج أن يقاتلوا عليا بن أبي طالب بأي ثمن، وبقيت تلك المجموعة من الخوارج على عنادها وتعنتها وتكفيرها للمسلمين، فقاتلهم علي في موقع يقال له "النهروان"، وأبادهم واستأصل شأفتهم ولم ينج منهم إلا بضعة أشخاص هربوا وتفرقوا في الأرض، ومنهم تجددت هجماتهم ومصائبهم على الأمة فيما بعد .
وبعد سنتين من هذه المعركة، في سنة 40 هـ، أرسل الخوارج ثلاث قتلة لاغتيال علي ومعاوية وعمرو بن العاص، فلم ينجحوا إلا في اغتيال علي.