المعنى الذى تحمله العملية التى تمت فى سيناء يوم الثلاثاء الماضى واضح لا لبس فيه، وهو أن الأمن أصبح عاجزاً عجزاً شبه كامل عن السيطرة على هذا الجزء من مصر، وأن الوهم الذى يروج له الجهاديون بتحويل سيناء إلى «إمارة إسلامية» يوشك أن يتحول إلى حقيقة مفزعة، سوف تكون نقطة بداية لمجموعة من الحقائق الأشد فزعاً على مستوى هذا البلد. لقد خرج الجهاديون يردّون رداً مفحماً على وزير الداخلية الذى طار إلى سيناء، عقب العملية التى استشهد فيها ثلاثة من جنود الشرطة وجرح مثلهم يوم السبت الماضى، حين أخذ يبشر بوصول معدات وتجهيزات جديدة من الخارج، وأن الداخلية تخطط لعمليات تمشيط لبؤر الجهاديين فى سيناء.
جاء الرد على كلام الوزير بعملية «نضيفة مية فى المية»، فبينما كان مفتش الأمن العام بشمال سيناء يتفقد موقع حادث مقتل الجنود الثلاثة، إذ بمجموعة من المسلحين تهاجم سيارته وتمطرها بوابل من الرصاص، فما كان من القوة المحيطة به إلا أن هرعت إلى محطة غسيل سيارات قريبة واختبأت فيها، الأمر الذى مكّن المهاجمين من الاستيلاء على واحدة من سيارات الشرطة، يبدو أنهم اصطحبوها كـ«تذكار» للعملية! ولا يختلف هذا المشهد كثيراً عن النكتة التى راجت فى السبعينات عن سرقة سيارة مدير مكتب مكافحة سرقة السيارات عندما خرج مهدداً ومتوعداً من يقومون بالاستيلاء على سيارات المواطنين، فكانت سرقة سيارته هى الرد البليغ عليه!
إذا كان جهاز الأمن فى سيناء قد بلغ هذا المبلغ من العجز، فتلك مصيبة، أما إذا كان غير ذلك فتلك مصيبة أعظم!
الاحتمال الأول وارد فى ظل ضعف قدرات رجال الشرطة الذين يوضعون فى مواجهة الإرهاب الممنهج والمدرب والمزود بأحدث أنواع الأسلحة وتقنيات الحصول على المعلومات. ومن الوارد أيضاً أن تكون الشرطة قادرة على المواجهة، لكنها تتراخى بهدف إحكام قبضتها حول رقبة الرئيس ونظام الحكم، وإقناعه بضرورة أن تعمل الشرطة بكامل شراستها، كما كان الحال قبل الثورة، ويؤيد هذا الاحتمال ما تم الكشف عنه مؤخراً من محاولة لاغتيال الرئيس «محمد مرسى» على يد عناصر خلية «مدينة نصر»، التى ستمنح جهاز أمن الدولة فرصة للرجوع الكامل، والتحكم فى حركات وسكنات الرئيس، وعودة سيطرتهم البوليسية على الدولة بهدف حماية شخص رئيسها!
يمكن أن يكون جهاز الأمن قد عقد قراناً بين المصيبتين، لتلد لنا «الزيجة الزنيمة» مصيبة ثالثة تتمثل فى إراقة دماء جنود الشرطة والمجندين الغلابة الذين قذفت بهم الأقدار فى أحضان إرهاب لا يخشع وحكم لا يشفع. وهكذا الدنيا عندما «تحط» على «الغلبان» لغاية ما «يستعدل» القوى!