حدثتُك عن الوضع السياسى بعد ثورتك المجيدة، المباركة، وكيف أن «السياسة» أصبحت -رغم اضطراب المشهد وضبابيته- «أكلة» المصريين المفضلة.
الآن وقد أكلتَ وهضمت وشربت فى صحة الثورة.. أسألك قبل أن «تتكرع» فى وجهى: كم بقى لديك من رومانسيتك الثورية؟. كم فشلاً، وكم أزمة، وكم كارثة تلزمك.. لتدرك أن مصر- بفضل هذه الثورة- قد تغيرت إلى الأسوأ، وأن أمامها سنوات (احسبها مع نفسك) لتعود إلى «معادلة» الثلاثين عاماً، التى تعتقد- أنت وثوارك الأشاوس- أنها انتهت إلى غير رجعة: «دولة آمنة مستقرة.. ونظام قمعى فاسد»؟.
إذا كنت مُصراً.. فتعالَ إلى الاقتصاد.
الاقتصاد يحتضر، وينذر -حسبما قال خبراء ومحللون- بـ«ثورة جياع»:
أولاً: احتياطى نقدى، تركه الرئيس السابق مبارك (والحالى.. حتى وهو على سرير طبى بين الحياة والموت) 36 مليار دولار تقريباً، استهلك رئيس وزراء ميدان التحرير -الدكتور «عصام»، المكتفى من المصيبة بـ«شرف» المحاولة- أكثر من نصفه، لأن قلبه «الأطرى من قلب خصاية»، رق لحال «زلنطحية» الميدان الذين حملوه على أكتافهم، وملسوا على بدلته الجامعية، فخالت عليه اللعبة، وتصور أن الشعب هو الذى «أسقط النظام» بالفعل، ومن ثم لا بد أن يقبض ثمن هذا «الوهم الثورى».. حتى إذا كان سحباً على المكشوف من لحم مصر الحى!.
وبفضل جهود جبارة بذلها رئيس وزراء الإخوان الحالى - «الدكتور هشام»، المستوحى من رائعة يحيى حقى «قنديل أم هاشم» - ارتفع هذا الاحتياطى إلى حوالى 15,5 مليار دولار فى أكتوبر الماضى، بزيادة نصف مليون تقريباً، أتت -وفقاً لـ«طارق حلمى»، الرئيس التنفيذى السابق للمصرف المتحد- من مصادر «لا تعكس نمواً فى الاقتصاد أو الإيرادات»، ومؤكداً أن هذا الارتفاع «مؤقت وغير طبيعى، ونتج عن الوديعة القطرية التى تعد ديناً على الحكومة، تسدد بعوائد فى مواعيد محددة، وتعد بمثابة قروض»!.
ثانياً: حكومة تطرق كل الأبواب و«تشحت على شعبها» بدلاً من أن تصدع رأسها بحل مشاكله. وباسم هذه الثورة المشؤومة.. تتذلل لكل حكومات الغرب «الكافرة» وصندوقها «المرابى»: القرض مقابل رفع الدعم.. خاصة دعم الوقود، و«يتحرق الغلابة بجاز مدعوم»، أو ليذهبوا إلى جنة الإخوان.. «التى يُوعَدون»!. حكومة تقبل كتف وجبهة كل ذى «غُطرة وأربع نسوان» فى دولة «قطر العظمى»، ممن كانوا -حين تولى «مبارك» حكم مصر- ينقعون أبدانهم الجافة فى صهاريج النفط لتلين وتلتئم شقوقها، ويكشطون جيوب العفن -اللابدة بين أصابع أقدامهم منذ آلاف السنين- بورق البنكنوت: مقابل ماذا؟.. مقابل «وديعة» لا تكفى لتعديل كادر عمال المجارى!. حكومة تفاوض أحمد عز -إحدى أذكى وأشرس ركائز نظام مبارك الذى تراه أنت وثوارك الأشاوس نظاماً فاسداً- للتصالح: مقابل ماذا؟.. مقابل إعادة خمسة مليارات دولار من أمواله إلى خزينة الدولة (مع أنه لا توجد خزينة ولا دولة، وأمواله تلك.. كانت من أهم أسباب هذه المصيبة، التى تسميها «ثورة»!).
ثالثاً: رئيس حكومة لا يعرف الفرق بين سهم البورصة وسهم كيوبيد!. ولأنه كان مديراً «مغموراً» لمكتب وزير «مغمور» هو وزير «الماء»، ثم وزيراً لـ«الماء» فى حكومة الدكتور الجنزورى.. فقد ظل «مغموراً» كسلفه، ومن ثم اقتصر حضور مصر فى مفاوضات «دول الحوض» على أغنية اللواء أركان حرب محمد عبدالوهاب «النيل نجاشى». وعندما وقع عليه اختيار الخليفة «محمد بديع» ليكون رئيساً لأول حكومة يشكلها والى مصر، الدكتور محمد مرسى -دلوعة «الحرية والعدالة الذى منه»- أحس الدكتور «هشام»، المستوحى من «قنديل أم هاشم»، أنه «قب» على وش الماء، فتجفف وتمشط وأخذ نفساً عميقاً، ثم بدأ سلسلة جولات ميدانية انتهت بقرار إغلاق المحلات فى العاشرة مساءً، لا لشىء.. إلا لينام الشعب مبكراً، ويصحو مبكراً، فيلحق صلاة «فجر الثورة» وراء «هشامه»، وفى نور «قنديله» الخافت. أما معاناتك -تعليماً وغذاءً وسكناً وأمناً وصحة وبطالة وما شابه- فليست من اختصاص الحكومة، لأنها اختبار من المولى سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين بالثورة.
رابعاً: مستثمرون مرعوبون من «حمى فتح ملفات» لا أحد يعرف إن كان غرضها تطهيراً، أم تصفية حساب، أم استبدال فساد «وطنى ديمقراطى» بفساد «حريتى وعدالتى».. المهم أن معظمهم لم يعد يعنيه كم يكسب وكيف.. بقدر ما يريد أن ينام وفلوسه فى حضنه، لكى لا يصحو على سؤال: «الدور على مين النهارده»!.
خامساً: بورصة تنعشها مزحة على «فيس بوك» تقول إن «الحاج» محمد مرسى، حافظ كتاب الله، أخطأ فى تشكيل لفظ الجلالة فى «إنما يخشى الله من عباده العلماء» لسببين: أولهما أن الدكة التى كان يجلس عليها فى «كُتاب الشيخ بديع» لم تكن مريحة. وثانيهما أنه -الحاج مرسى- «كان بيحب المشمش.. دلوقتى بيموت فى المنجة»، وهو أول عرض جانبى للإصابة بـ«حب السلطة». لكنها -هذه البورصة- سرعان ما تنهار لمجرد أن تتكعبل مثلاً فى مشروع قرار، أو خبر تافه فى صحيفة «بير سلم»، أو تحذير من اجتياح إسرائيلى محتمل لسيناء، أو بلاغ كيدى عن مطعم شعبى يؤكل زبائنه لحم حمير، أو حتى إذا تكعبلت -بعد الشر- فى «عصا لافتة» من بواقى رومانسية «يسقط.. يسقط.. حسنى مبارك»، أو «ركبة موظف» نعسان على رصيف «حكومة الثورة» منذ عشرين شهراً.. رأسه على «فخذ» عصام شرف وقدماه فى «طشت» هشام قنديل.
والآن.. أتحداك:
لو انت «شاطر» كدبنى.. ولو انت «خيرت» حِلها من حُر مالك!