كنت فى زيارة لأحد أصدقائى فى المعادى، هناك قابلت رجلاً فى منتصف الثمانيات من عمره، كان يتحدث كثيراً والجميع يستمع له، أمتعنا بحديثه عن «مصر» والظروف التى نعيشها الآن، كان الرجل يتحدث بصفته شاهداً على العصر، فقد مرت عليه سنوات طويلة عاشها فى انكسارات «مصر» وانتصاراتها، يتحدث بمنطق مقنع جداً عن الحقبة الحالية التى نعيشها، حديثه جميل وشيق وواقعى ومقبول، تحدّث وطلب منى أن أنقل حديثه للشعب المصرى ووعدته، وسأنقله دون زيادة أو نُقصان.. وهو كالآتى: «أجلس فى المساء كل يوم فى صالون البيت مستعداً لتناول طعام العشاء، أمسك الريموت كنترول لمدة ٣ دقائق لأشاهد الفضائيات، ومنها طبعاً الفضائيات العربية التى أُشاهدها مشاهدة عابرة، بعدها أظل فى مكانى ثابتاً وأطلب أشرب «حاجة سُخنة» ثم أطلب «لب» للتسالى، لا أبالى بما يحدث حولنا من صراعات وطائرات مُسيّرات ومدافع وقنابل وصواريخ وحاملات طائرات، أعرف فقط أخبار الدنيا من حولنا، لا أستهلك طاقتى فى تحليل ما أشاهده فى الثلاث دقائق، لا أدخل فى جدل عقيم مع أحد حول الأحداث السياسية التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط، بعدها أجدنى حامداً الله -عز وجل- على نعمة الأمن والأمان والاستقرار التى نعيشها فى «مصر»، كل يوم أحمد الله على هذه النعمة التى ننعم بها فى «مصر»، أنام مطمئن على بلدى لأن بها قائداً مخلصاً للوطن ولأن بها جيشاً عظيماً أميناً على البلد، لدىَّ راحة بال -غير طبيعية- لأن كل شىء يهون طالما «مصر» مستقرة فى محيط إقليمى مضطرب، تنتابنى حالة من الغضب الشديد على ما ترتكبه إسرائيل من مجازر فى قطاع غزة، أتعاطف مع الأشقاء الفلسطينيين وأدعو الله فى صلاتى بأن يزول الاحتلال عن فلسطين».
كانت هذه هى كلمات الرجل العجوز -أطال الله فى عمره- وحينما قلت له: هل متابعة الفصائيات العربية لمدة (٣) دقائق فقط تجعلك ملماً بالأحداث كاملة؟.. رد سريعاً وقال: يا ابنى أنا اللى يهمنى «مصر» وأرض «مصر» واستقرار «مصر»، والحمد لله «مصر» بخير وأنا شايف إن «مصر» قوية بما فيه الكفاية، وواثق أن مخططات الأعداء ستفشل، فلا يستطيع أحد الاقتراب من أرضنا، لأن إحنا «مصر»، عارف يعنى «مصر»؟ (مصر) يعنى: الجيش العظيم ورجاله العظماء «عبدالمنعم رياض وإبراهيم الرفاعى وجمال عبدالناصر والسادات والجمسى وأبوغزالة»، (مصر) يعنى: ترابها غالى وأرضها طيبة ولحمها مُر وأهلها أرواحهم فداء بلدهم، (مصر) يعنى: الأزهر والكنيسة والنيل والآثار والأهرامات وأبوالهول وميدان التحرير وسيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والسيد البدوى، (مصر) يعنى: «القاهرة» التى تقهر أعداءها وإسكندرية والمرسى أبوالعباس وبنها وطنطا والمنصورة وأسيوط وسوهاج وقنا وأسوان والأقصر بلدنا بلد سواح، (مصر) يعنى: خيرة الشباب وأجدع وأشرف رجال والصخرة التى تتحطم عليها أطماع الأعداء، (مصر) يعنى: التراث الشعبى والغُنا الشعبى والفن الشعبى والأوبرا والمسرح وعبدالوهاب وعبدالحليم وأم كلثوم وبليغ والموجى وكمال الطويل والعزبى والريحانى وطه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وثروت عكاشة.. نحن التاريخ ونحن عنوان الجغرافيا.. من يفكر فى كسر «مصر» عليه التفكير ألف مرة.. أنا مطمئن لأن «مصر» فيها رجال أشداء أقوياء قادرون على حمايتها، لا يهابون، لا يخافون، شُجعان.. ولذلك أوصى الشعب المصرى بأن يشاهد الفضائيات العربية لمدة (٣) دقائق فقط، ليريح أعصابه وليستريح.. أنا لست خائفاً على بلدى، أنا مطمئن عليها لأنها فى أيدٍ أمينة.. هذه رسالتى للشعب المصرى أرجوك بلغها كما هى.كتبت رسالة «الرجل العجوز» كما هى، وها هى أمامكم!!