تعددت سيناريوهات اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، فى مبنى الضيافة بإيران.. ولم تعلن السلطات الإيرانية القصة الحقيقية للاغتيال إلا بعد مرور ٤ أيام على الحادث.كانت الساعة تشير إلى الواحدة و٣٧ دقيقة فجر الأربعاء الماضى عندما حدث انفجار فى حجرة «هنية» بمبنى الضيافة الذى كان ينزل به بعد مشاركته فى حفل تنصيب الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان.. وكان يقيم فى المبنى شخصيات أخرى من جنسيات مختلفة، ولم يكن هذا الأمر سرياً، بل كان معلناً، وكان مكان وتحركات «هنية» كلها معلومة.
فى أول نبأ عن الاغتيال تناقلت مواقع الأخبار ووكالات الأنباء والفضائيات خبر مقتل «هنية» بصاروخ استهدف حجرته.
وما لبثت السلطات الإيرانية أن أذاعت أن الصاروخ تم إطلاقه من دولة أخرى، فى إشارة إلى أنه ليس من الأراضى الإيرانية جرَّاء عملية إرهابية من أراضيها.
وبعد الحادث بأقل من ٧٢ ساعة نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تحقيقاً -أظنه موجهاً- نفت فيه استهداف حجرة «هنية» بصاروخ، وروت قصة زعمت فيها أن «إسماعيل هنية تم اغتياله بعبوة ناسفة تم تهريبها سراً إلى دار الضيافة فى طهران حيث كان يقيم، طبقاً لرواية سبعة مسئولين من الشرق الأوسط بينهم إيرانيان، بالإضافة إلى مسئول أمريكى، وقد تم إخفاء القنبلة قبل شهرين تقريباً فى دار الضيافة، طبقاً لتصريحات خمسة من المسئولين فى الشرق الأوسط، حيث إن دار الضيافة تديرها وتحميها قوات الحرس الثورى الإسلامى، وهى جزء من مجمع كبير معروف باسم «نشأت»، فى حى راقٍ بطهران».. وقد أكدت نفس القصة محطة «سى إن إن» الأمريكية.
بينما نشرت صحيفة التلجراف البريطانية، صباح السبت الماضى، أن المخطط نفذه جهاز الموساد، حيث استأجر عميلى أمن إيرانيين لزرع متفجرات فى ثلاث غرف منفصلة فى المبنى الذى يقيم فيه دائماً «هنية».
وكانت الخطة الأصلية هى اغتياله فى مايو الماضى عندما حضر جنازة إبراهيم رئيسى، الرئيس الإيرانى السابق.
وقال مسئولان إيرانيان للصحيفة إن العملية لم تنجز حينها بسبب الحشود الكبيرة داخل المبنى واحتمال فشلها الكبير، وبدلاً من ذلك، وضع العميلان أجهزة متفجرة فى ثلاث غرف بدار الضيافة.
وأوضحت الصحيفة أن العملاء شوهدوا وهم يتحركون خلسة أثناء دخولهم وخروجهم من غرف متعددة فى غضون دقائق، وفقاً للمسئولين الذين لديهم لقطات من كاميرات المراقبة للمبنى.
وفى سيناريو مغاير لكل من «الرواية الأمريكية» و«الرواية البريطانية» خرج علينا سيناريو آخر جاء على لسان شهود عيان -وهو أقرب للتصديق- كانوا يقيمون فى نفس المبنى وقت الانفجار، حيث قال خالد القدومى، ممثل حركة حماس فى إيران، فى شهادته، إن الشهيد هنية وصل إلى إيران فجر الثلاثاء -قبل ٢٤ ساعة من الحادث- على رأس وفد، وفى مساء نفس اليوم توجه إلى البرلمان الإيرانى للمشاركة فى تأدية الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان اليمين الدستورية فى البرلمان، ثم زار الوفد معرض «أرض الحضارة»، ثم شاهد مسرحية عن فلسطين، وحضر مأدبة عشاء بمقر الرئاسة الإيرانية، ثم توجه إلى مقر إقامته فى وقت متأخر من الليل، وصلى العشاء، ثم جلسنا وتحدثنا، ثم ذهب «هنية» إلى غرفته، وبصحبته «وسيم أبوشعبان» الذى كان يحرسه خارج غرفته.
وفى تمام الساعة الواحدة و٣٧ دقيقة فجراً حدثت صدمة للمبنى، فخرجت من المكان الذى كنت فيه، فرأيت دخاناً كثيفاً، وبعد ذلك عرفنا أن «هنية» قد استشهد، مشيراً إلى أنه «كان هناك وميض»، ومن شدة الصدمة التى حصلت للمبنى ظننت أنه حصل رعد أو زلزال، ففتحت النافذة فلم أجد مطراً أو رعداً، فالجو كان حاراً، وذهبنا إلى الطابق الرابع الذى كان فيه الشهيد، فوجدنا أن جدار وسقف المكان الذى كان فيه قد سقط وتدمر.. من الواضح من شكل المكان بعد الهجوم وما حدث له، ومن جثة الشهيد القائد إسماعيل هنية، أن الاستهداف قد تم بواسطة مقذوف من الجو، سواء كان صاروخاً أو قذيفة.
وبعد ٤ أيام أعلن الحرس الثورى الإيرانى أن «هنية» تم اغتياله عن طريق إطلاق قذيفة قصيرة المدى -٥ كيلومترات على الأكثر- تحمل رأساً حربياً زنة ٧٫٥ كيلو جرام، وأن إسرائيل هى من نفذت العملية بدعم أمريكى.وفى كل الأحوال، وأياً كان السيناريو، فإن الاغتيال تم، وكل طرف من الطرفين (إيران وحماس) و(إسرائيل وأمريكا)، يبرر أفعاله.. الطرف الأول يريد أن يُحمل إسرائيل وأمريكا المسئولية كاملة ليتخذها مبرراً للانتقام، والطرف الثانى يحاول كشف هشاشة الأمن الإيرانى الذى لم يكتشف وجود عبوة ناسفة فى مبنى يتولى حراسته الحرس الثورى، ويقيم فيه ضيوف إيران الكبار.
ظنى أن إيران لن تقوم بأى عمل انتقامى مؤثر، فهى لا تملك أدوات الانتقام من إسرائيل أو أمريكا، وحتى إذا حاولت فلن يكون لعملها الانتقامى أى تأثير واضح على الأرض، أى دون خسائر بشرية أو مادية، ولنا فيما فعلته من قبل انتقاماً للهجوم على قنصليتها فى سوريا الدليل، فقد أحبطت قوات الناتو والقبة الحديدية تأثير كل صواريخها ومُسيراتها، وجعلتها تبدو وكأنها ألعاب نارية كالتى تطلق فى الأفراح والأعياد.. ورغم ذلك فإن أمريكا اتخذت من تهديدات إيران وحزب الله ذريعة وحركت المزيد من قطعها البحرية للبحر المتوسط تجاه سواحل إسرائيل، تحسباً لأى عمل انتقامى.
أما الكيان الصهيونى فلن يتوقف عن مخططاته -وبالمناسبة فهو ليس مخطط نتنياهو وحده كما يروج البعض- لإنشاء إسرائيل الكبرى، الذى يقوم على استمرار سلسلة الاغتيالات للقيادات السياسية والعسكرية لكل الخصوم، ودهس كل القرارات والقوانين والمواثيق والمنظمات الدولية، وإبادة الشعب الفلسطينى، وتهجير ما يتبقى منه قسرياً، واحتلال جنوب لبنان، والمنطقة المتاخمة لهضبة الجولان فى سوريا، واستنزاف ثروات منطقة الشرق الأوسط، وكسر شوكة إيران نهائياً عن طريق وضع نظامها فى صورة ضعف وعجز دائم لتأليب الرأى العام الإيرانى داخلياً وإحداث فوضى من الداخل قد تؤدى إلى انقلاب، والقضاء على أسلحة وقدرات الحوثيين بضرب كل البنية الأساسية لهم، وتجفيف منابع السلاح التى يعتمدون عليها -نجحت مؤخراً فى وقف تصدير شحنة سلاح سوفيتية لهم بعد ضغط أمريكى- دون القضاء عليهم نهائياً، فوجودهم سيظل المبرر الرئيسى لوجود البحرية الأمريكية فى البحر الأحمر، واستمرار أحداث التوتر فى المنطقة والتلاعب والتحكم فى اقتصاديات العالم، وضمان أمن وأمان إسرائيل الكبرى.