يقول تعالى: «قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ». لا أحد من أهل السماء ولا من أهل الأرض بإمكانه معرفة الغيب. الله وحده هو من يملك ذلك، وحتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا يعلم الغيب، وذلك بنص القرآن الكريم. يقول تعالى: «وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ».
تأسيساً على ما سبق، يصح أن نُصنّف كلام كاهن العرب الشهير «سطيح»، ومن أعقبه من كهنة وعرافين منذ عصر ما قبل بعثة النبى، صلى الله عليه وسلم، وحتى الآن فى خانة «العجائبيات»، وليس من المستبعد بالطبع أن يكون منطوياً على قدر لا بأس به من التأليف أو الاختراع من جانب كتب التراث، الذين أغرم أكثرهم بالإشارة إلى كلام الكهنة ونبوءاتهم حول النبى العربى الذى يظله ذلك الزمان، وأنه سيخرج من مكة ليكسر الأصنام، ويُعلى عقيدة التوحيد. كل كتب السيرة على سبيل المثال تحمل حكايات تنقل عن الكاهن، الذى قال عن شجرة جلس تحتها النبى إنها شجرة لم يجلس تحتها إلا نبى، ونبوءات الكاهن «سطيح» والكاهن «شق» وغيرهما.
النبى، صلى الله عليه وسلم، لم يكن يعلم الغيب، وقد نفى عنه القرآن الكريم ذلك، بشكل كامل، وكل ما تقرأه عما قاله النبى عن أحوال الزمان بعد أن يغادر الحياة لا بد أن نتعامل معه بتحفّظ، من ذلك مثلاً ما يُقال فى سياق حديثه، صلى الله عليه وسلم، عن الفتن التى ستضرب الأمة بعد وفاته، وعن قتال المسلمين لبعضهم البعض، وعن استشهاد على، واستشهاد الحسين بن على، وعن عمار بن ياسر الذى تقتله الفئة الباغية، وغير ذلك من أحاديث تتناول وقائع كانت مختبئة فى رحم المستقبل.
لا يمكننا التسليم بأن النبى كان يعرف الغيب، لأن القرآن ينفى عنه ذلك، كل ما يصح قوله فى هذا السياق هو أن محمداً كان يجيد قراءة مؤشرات الواقع واستخلاص ما يُدلل منها على مسارات المستقبل، فقد كان يراقب أحوال أصحابه فى أواخر عمره، صلى الله عليه وسلم، وتوقع بناءً على ذلك أن تنشب بينهم خلافات، وهو ما حدث فعلاً، وليست هذه قراءة لغيب، بل تحليل لواقع، أما ما تسمعه أو تقرأه من أحاديث تحكى تفاصيل وقائع معينة، مثل تفاصيل ما حدث فى كربلاء، وطبيعة الأرض التى سيُقتل بها سبطه الحسين رضى الله عنه، والطريقة التى سيُقتل بها، وغير ذلك، فلا بد أن نتعامل معها بتحفظ كما ذكرت لك.
ألعاب التوقع أو التنبؤ والأدوار التى يقوم بها الكهنة والعرافون والمنجمون وغيرهم تصب جميعها فى خدمة أصحاب المصالح المسيطرين على المشاهد، وتأثيرها المهم بالنسبة لهم يتحدّد فى قدرتها على تضليل المجموع، ودفعه إلى التسليم بالمظالم، واعتبارها جزءاً من حركة الواقع ومسار التاريخ.