قرأت تعليقات متنوعة خاصة بالجدل المثار حول اسم «مصر» الذى التصق ببلادنا الحبيبة منذ فجر التاريخ وحتى الآن، وكيف تغير هذا الاسم فى حقب معينة، فتلون بكلمات أخرى، وآن الأوان ليعود رسمياً اسماً للدولة.
لا أجدنى بحاجة إلى التذكير بأن اسم «مصر» هو الاسم الراسخ لهذا البلد الطيب فى القرآن الكريم والكتب السماوية، وقد ورد صراحة وبالكناية عدة مرات داخل آيات الذكر الحكيم. فمصر كانت دولة قبل الزمان بزمان، وقد ظل هذا الاسم ملتصقاً بهذا الجزء من أرض الله حتى قامت ثورة يوليو 1952، فتغير لأول مرة فى التاريخ.
اسم «مصر» بعد ثورة 23 يوليو له قصة مثيرة، حيث بات موضوعاً للتغيير والتعديل المستمر، كجزء من حالة المفاصلة التى أرادها النظام الجديد عن العهد السابق أو «العهد البائد» بمصطلح تلك الأيام. وقد بدأت فصول القصة بالتحديد يوم السبت 26 يوليو 1952، حين طلب الضباط الأحرار من الملك فاروق الخروج الآمن من مصر، والتنازل عن العرش لابنه «أحمد فؤاد»، وقد استجاب الملك وغادر البلاد واصطحب معه نجله، وتشكل مجلس وصاية ينوب عن الملك الوليد فى حكم البلاد، بعضوية الأمير محمد عبدالمنعم، والقائمقام رشاد مهنا، وبهى الدين بركات.
ظلت مصر تحمل اسم «المملكة المصرية» أو «مملكة مصر» طيلة هذا الوقت، وهو أمر لم يكن يروق الحكام الجدد للبلاد الذين يريدون كنس أى شىء يذكّر الناس بالعهد البائد، وكانت أول خطوة ناجحة فى هذا الاتجاه طرد الملك، وتكوين مجلس شكلى للوصاية، لكن كان من المهم التخلص من الملكية نفسها، تمهيداً لتدشين نظام سياسى جديد يفارق بشكل كامل العصر الملكى، وقد بدأت إرهاصات التفكير فى هذا التحول، بعد ما يقرب من 6 أشهر من طرد الملك فاروق من مصر، مع تشكيل ما أطلق عليه «لجنة الدستور» فى 13 يناير 1953، وتشكَّلت من 50 عضواً، باتت مهمتهم صياغة دستور بديل لدستور 1923.
يسجل المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «ثورة 23 يوليو 1952» أن لجنة فرعية تتشكل من 5 أعضاء انبثقت من لجنة الـ50 تولت تحديد نظام الحكم المتوقع بعد حركة الضباط، تكونت من: عبدالرزاق السنهورى، عبدالرحمن الرافعى، مكرم عبيد، السيد صبرى، عثمان خليل عثمان، وقد اتجهت اللجنة إلى بحث: هل يكون ملكياً أو جمهورياً؟ وكلنا بالطبع يعلم أن إجابة اللجنة التى اشتملت على هذه المجموعة من الأسماء اللامعة قد انحازت إلى الحكم الجمهورى، وبرر أعضاؤها ذلك بقولهم: «إن الملكية قامت فى أصلها التاريخى على زعم أن الملوك يستمدون سلطتهم من عند الله، وإنهم خلفاء الله فى أرضه، ومن ثم نبتت نظرية الحق الإلهى للملوك»، ثم أردفت اللجنة: «وقد نبه علماء الدستور إلى ما بين النظام الملكى والحكم الديمقراطى من مجافاة وتعارض».
وبناءً على ما سبق، خلصت اللجنة إلى ضرورة تخليص مصر من النظام الملكى الذى يظن من يجلس على منصته أنه خليفة الله فى الأرض، ورغبة من الأعضاء الخمسة فى الأخذ بيد مصر إلى ديمقراطية حقيقية لم تتحقق فى ظل الملك، ولا بد لها من نظام جمهورى يلوِّن الدولة بلون مختلف تماماً عن لون العهد البائد، ويحولها من مملكة إلى جمهورية.