لا أحد يعرف كيف سيكون الرد الإيراني على إسرائيل! مخاوف ردود فعل قوية قد تؤدي إلى انفلات الحرب الدائرة حالياً في غزة، لتتحول إلى حرب إقليمية، تخرج عن قواعد الاشتباك المعروفة حتى الآن بين إسرائيل ومحور المقاومة في المنطقة العربية.
في كل الأحوال فإن هناك ما يشبه الإجماع على أن الرد الإيراني سيكون محتماً بالنظر إلى اعتبارات وجيهة أهمها الهيبة الإيرانية التي تعتبر الغطاء السياسي والعسكري لكل القوى المتحالفة معها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وبالإضافة إلى ذلك فإن إعلان إيران الصريح تمسكها بالرد الموجع على إسرائيل يؤكد عزمها المضي قدماً في تحدي الإدارة الأمريكية باعتبار أن التراجع سيشكل خطراً على الملفات الإقليمية الأخرى مثل الدور المحوري لحزب الله والمفاوضات الجارية والمكتومة بين اليمن والسعودية لاستكمال صياغة وتنفيذ اتفاق السلام بينهما، خاصة أن الحوثيين قد رفعوا سقف مطالبهم.
كما أن إيران تدرك أنها ستواجه قريباً تحديات يمتزج فيها الخارجي بالداخلي، لأن هوس ترامب بالرئاسة الأمريكية يعني عودة المواجهة بين طهران وواشنطن إلى مستوياتها الحادة السابقة في ولايته الأولى، ويمثل ذلك نكوصاً عن سياسة الاحتواء الهادئ التي اتبعها بايدن، وذلك بغض النظر عن الالتفاف الإيراني على العقوبات مقابل إبطاء الحرس الثوري الإيراني عمليات التخصيب النووي ويترافق هذا العنصر الخارجي الضاغط مع تطورات داخلية أهم ما فيها فوز الإصلاحي بازشكيان على مرشح المرشد الأعلى في انتخابات الرئاسة الإيرانية، وهذا يمثل إشارة لا تخطئها العين على تزايد الرفض الشعبي لسياسات المرشد الأعلى والحرس الثوري، وإذا ما تمكن مسعود بازشكيان من رسم بصمة واضحة له في السياسة الخارجية كما فعل الثنائي حسن روحاني، الرئيس الأسبق، وجواد ظريف، وزير الخارجية، فإن الحرس الثوري حينها سيكون أمام خيارات محدودة ومحكومة بغلبة كيان الدولة على كيان الثورة في إيران.
بالنظر إلى مجموع هذه العوامل المتحكمة بالقرار الإيراني، فإن من المرجح أن تتمهل إيران قليلاً في الرد بانتظار اختيار هجوم يحقق لها إيلام إسرائيل دون أن يعطي إسرائيل أو أمريكا ذريعة وجيهة لهجوم أكبر وأشمل على إيران، ومن الناحية الموضوعية فإنه لا بد لإيران أن تنسق ردها مع حزب الله باعتبار أن كلاً منهما قد تلقى ضربة موجعة من إسرائيل في اليوم نفسه، ما يعطيهما المبرر الكافي للرد المنسق بينهما، وقد باشرت إيران حملة دبلوماسية واسعة بدأتها بدعوة وزير الخارجية الأردني، حيث أكدت مصادر إيرانية مستقلة أن القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني أبلغ الضيف الأردني قلق إيران مما تعتبره انحيازاً أردنياً إلى إسرائيل واستعداداً للمساهمة في صد الصواريخ والمسيرات الإيرانية المتجهة لإسرائيل، ثم قامت وزارة الخارجية الإيرانية باستدعاء رؤساء البعثات الدبلوماسية الغربية في طهران يوم الاثنين الماضي وإبلاغهم رسمياً عزم طهران تنفيذ هجوم ضد إسرائيل، وعرض المبررات التي ستدفعها إلى القيام بذلك، وهذا ما تعتبره الأوساط السياسية الغربية تأكيداً لا يقبل الشك على أن الضربة الإيرانية ضد إسرائيل قادمة لا محالة.
أما بالنسبة لإسرائيل، فإن خشيتها من الضربة المتوقعة تفوق خشيتها من الضربة السابقة، والسبب في ذلك هو توتر العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، وما أوضحته وسائل الإعلام الأمريكية على اختلافها وتنوعها من سخط شديد لدى البيت الأبيض على «نتنياهو» وحكومته المتطرفة، ويخشى «نتنياهو» من أن ينعكس هذا السخط في تباطؤ أو تراخٍ أمريكى في الدفاع عن إسرائيل إذا ما وجهت إيران ضربتها المنتظرة، وبالرغم من تأكيدات وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستون، على استعداد بلاده الدائم للدفاع عن إسرائيل، فإن التحركات الأمريكية حتى الآن تبدو استعراضية أكثر منها عملية، فما تحتاجه إسرائيل في الحقيقة هو نشر المزيد من منظومات الدفاع الجوي في المنطقة، أما تحريك الأساطيل الأمريكية في المتوسط فهو لا يفيد إسرائيل شيئاً من الناحية الدفاعية على الرغم من اعتباره شكلاً من التهديد المبطن لإيران وحزب الله بأن الجيش الأمريكي لن يكون على الحياد في أي حرب واسعة ممكنة.
تتعدد السيناريوهات المحتملة بالهجوم الإيراني المرتقب، ويبدو أن الإيرانيين قد تعلموا من ضربتهم السابقة بأن الوصول إلى إسرائيل بأعداد كثيفة من الطائرات والصواريخ لم يعد متاحاً، وعليه بحسب مسئولين أمريكيين فإنه من المرجح أن القيادة العسكرية الإيرانية ستفكر في رد نوعى مختلف، قد يكون باستخدام أعداد أقل من المسيرات تكون قادرة على تجنب الرادارات المنصوبة على عرض الأراضي بين حدود البلدين، وما يدعو هؤلاء إلى ترجيح هذا الاحتمال أن إيران تمتلك فعلاً قدرات من هذا النوع، لكنها قد تكون محدودة من حيث الكم، وما يزيد هذا الاحتمال ترجيحاً هو نجاح إحدى مسيرات حزب الله في التوغل داخل الأراضي الإسرائيلية لساعات وتصوير المواقع العسكرية والحيوية شمال إسرائيل دون أن تكشفها أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتطورة، وهناك من يذهب إلى الظن بأن من الممكن لطهران أن تخطط وتنفذ عملاً أمنياً كبيراً ضد إسرائيل سواء على الأراضي الإسرائيلية أو على أراضي طرف ثالث، وعدا هذين الاحتمالين تبدو الخيارات أمام طهران ضيقة وصعبة.