بعد ما يقرب من عام على قيام ثورة 23 يوليو 1952 وبالتحديد في 18 يونيو 1953 أُعلن -باسم الشعب- ميلاد «الجمهورية المصرية»، أو «جمهورية مصر» كبديل لـ«المملكة المصرية» أو «مملكة مصر»، وأُلغي النظام الملكي، وتم إنهاء حكم أسرة محمد علي، مع إلغاء الألقاب من أفراد هذه الأسرة، وأصبح اللواء أركان حرب محمد نجيب قائد الثورة أول رئيس للجمهورية المصرية، وخصص قصر عابدين ليكون مقراً لرئاسة الجمهورية، وأطلق عليه «القصر الجمهوري». منذ ذلك اليوم أصبح لدينا عيد اسمه «عيد الجمهورية»، يوافق يوم 18 يونيو من كل عام، وقد صار -كما يقول عبدالرحمن الرافعي- عيداً وطنياً من الأعياد الرسمية. ومؤكد أن المصريين ظلوا ينعمون فيه بإجازة رسمية، لتتأكد في ذهنهم ووجدانهم باستمرار ذكرى التحول من «المملكة» إلى «الجمهورية»، مع بقاء وصف «المصرية» كما هو في الحالتين.
والعجيب أن التاريخ نفسه «18 يونيو» شهد حدثاً تاريخياً آخر وذلك في عام 1956، حين رفع جمال عبدالناصر -كما يحكي الرافعي- العلم المصري على المبني البحري في بورسعيد، وهو آخر مبنى جلت عنه القوات البريطانية في القناة، وأصبح هذا اليوم يحتضن عيدين من أعياد «يوليو» عيد الجلاء وعيد الجمهورية، وإن لم تخُني الذاكرة فقد نسي الناس بمرور الوقت حدوتة «الجمهورية»، ولم يعد أحد يهتم بحكاية التحول تلك في اسم مصر من «المملكة المصرية» إلى الجمهورية المصرية، وبات اليوم مرتبطاً بالدرجة الأكبر بذكرى جلاء المحتل الإنجليزي عن مصر.
في المكاتبات الرسمية، والخطب الجمهورية، والإذاعات الرسمية، وعلى صفحات الجرائد والمجلات، اختفى تماماً اسم «المملكة المصرية»، فكل شيء تلون باللون «الجمهوري»، لكن ظل اسم مصر ثابتاً، وكل ما حدث أنها تحولت من «مملكة» إلى «جمهورية». ومن يراجع دستور مصر الصادر عام 1956 يجد اسم مصر متألقاً من أول مادة فيه: «مصر دولة عربية مستقلة ذات سيادة وهي جمهورية ديمقراطية، والشعب المصري جزء من الأمة العربية».
كان اسم مصر حاضراً بصورة رسمية في هذا الدستور، لكن التوجه «العربي» بدأ في الظهور، سواءً في وصف الدولة أو وصف الشعب، وقد ظلت الحال كذلك خلال الفترة من عام 1953 وحتى عام 1958، فبقي اسم مصر علماً على بلادنا، حتى مع تغير نظام الحكم فيها من الملكي إلى الجمهوري، وكل ما حدث أن الأشياء بدأت تتلون بلون النظام الجديد، مثلما حدث في وصف القصور الملكية إلى «الجمهورية». ووصف السلام من «السلام الملكي» إلى «السلام الجمهوري».
التغيير حتى عام 1958 كان في الصفة وليس فى الاسم، ومع ذلك فقد بقي وصف «المملكة» يطارد الزمن الجديد لمدة من الزمن، من خلال العملات الموروثة عما كان يطلق عليه «العهد البائد» والتي كان يتصدرها وصف «المملكة المصرية» وصور بعض حكام الأسرة العلوية، مثل الملك فؤاد والملك فاروق والسلطان حسين كامل وغير ذلك. وإن لم تخني الذاكرة فقد بقيت الملاليم والقروش والشلنات و«البرايز» التي تحمل أسماء وصور ذلك الزمان قيد التداول حتى أوائل السبعينات من القرن الماضي، وظلت الحال كذلك حتى تمكنت العملات الجديدة من طردها من أسواق التداول.