تغيير اسم مصر إلى اسم جديد جاء مع ميلاد الوحدة المصرية السورية عام 1958، حين أعلن فى أول فبراير من ذلك العام ميلاد «الجمهورية العربية المتحدة» التى تجمع مصر وسوريا. اختفى اسم مصر لأول مرة فى تاريخها ليحل محله الاسم الجديد، وبات وصف «العربية» الذى يجمع ما بين مصر وسوريا هو الوصف الرسمى للدولة.
اختفى اسم مصر، وبات للجمهورية العربية المتحدة علم جديد يعبر عن الدولتين المصرية والسورية، وصدر دستور جديد مؤقت للجمهورية التى تشمل الدولتين، وأصبح لهما وزارة جديدة واحدة، تضم 20 وزيراً من الإقليم الجنوبى (مصر) و14 وزيراً من الإقليم الشمالى (سوريا).
ولو أنك تأملت وصف «الإقليم الجنوبى» فستلاحظ نقلة جديدة فى تغييب اسم «مصر» بعد أن باتت جمهورية عربية، فقد أصبح البلد الكبير الذى يعد جزءاً لا يتجزأ من تاريخ البشرية مجرد «إقليم جنوبى».
المطالع لصحف هذه الفترة والتى تعد الوثيقة الأهم التى تختزن تفاعلات الواقع العام مع التحولات الجديدة التى طرأت على اسم مصر، وأدت إلى اختفائه أو حولته إلى وصف «الإقليم الجنوبى»، سوف يلاحظ أن اسم مصر ظل قائماً ومتداولاً فى الكثير من الكتابات الصحفية، وفى أحيان كان يحل محله كلمة «الوطن» وهى كناية عن مصر.
وكانت تتسق فى ذلك الحين مع مفردات الخطاب الرئاسى، الذى كان يفتتح دائماً بعبارة «أيها المواطنون»، فى الأغانى أيضاً كانت كلمة «مصر» هى الحاضرة فى الأغلب، كما يظهر فى أغنية: «مصر التى فى خاطرى»، و«على باب مصر»، و«محلاك يا مصرى»، و«قصيدة مصر».
لم يكن الأمر محاولة من جانب الصحفيين أو كتاب الأغانى والفنانين، لتهميش الاسم الجديد أو مصادرته من سوق الكلام، تمسكاً باسم مصر، بل كل ما فى الأمر أن عبارة «الجمهورية العربية المتحدة» لم تكن اسماً، بل عنوان كبير يحتاج إلى مذكرة تفسيرية تشرح أن المقصود بها دولتان هما مصر وسوريا، ونتيجة لذلك كان من الطبيعى أن تبتعد عنه كافة الكتابات التى تجنح إلى الاختصار أو التكثيف، مثل الكتابة الصحفية والكتابة الفنية.
واصل اسم «مصر» الحضور داخل كافة التعابير الشعبية، خلال فترة الستينات، رغم اختفائه فى المسمى الرسمى للدولة، وكان الأكثر تردداً على ألسنة المصريين، فهذه الدولة اسمها مصر، هكذا شاء الله لها أن تكون منذ فجر التاريخ، أما الاسم الجديد الذى ارتبط بتجربة الوحدة مع سوريا (1958- 1961) فقد بات يظهر فقط فى أطر التعبير الرسمى، فى حالة التصريحات الرسمية، أو الخطابات الرئاسية، أو تحية العلم وغير ذلك، حتى العلم نفسه تغير من جديد عام 1958، بعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا.
وبالتوازى مع اختفاء «مصر» من اسم الدولة، اختفى أيضاً السلام الملكى القديم: «سلام أفندينا»، الذى ظل باقياً حتى ذلك الحين، مع تعديل اسمه إلى «السلام الجمهورى». وظهر لأول مرة نشيد «والله زمان يا سلاحى» كسلام رسمى للجمهورية التى صارت «عربية».