بعد المحنة التي عاشها نبي الله «إبراهيم» مع عبدة الأصنام، وتحديه لـ«النمروذ بن كنعان» حاكم بابل، والمواجهة التي خاضها مع عبدة الأوثان، تحول إلى الهجرة، فترك الأرض التي أنبتته، وكذا الأرض التي عاش فيها شبابه، وهاجر.
البعض يقول إنه هاجر من العراق إلى أرض الشام، والبعض يقول إنه هاجر إلى مكة المكرمة: «إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين»، وأبرز من صحبه فى هذه الرحلة ابن أخيه «لوط»، وزوجته «سارة».
طعن «إبراهيم» فى العمر، حتى جاوز الثمانين، دون أن يكون له أولاد، وربما كان ذلك سر ارتباطه بـ«لوط» وهو ابن أخيه «هاران»، ويبدو -والله أعلم- أن «إبراهيم» تبناه، فكان معه حيثما ذهب.
نظرت «سارة» زوجة إبراهيم إلى نفسها فوجدت أن العمر قد مضى بها، ولم يعد لها أمل فى الإنجاب، فقررت أن تهب جاريتها «هاجر» لزوجها «إبراهيم» عسى أن ينجب منها ولداً، يكون ونساً لأبيه فى شيخوخته، ويعوضها فى الوقت نفسه الحرمان من الإنجاب.
وكانت «هاجر» جارية وهبها حاكم مصر لـ«سارة» ، لما دخلت البلاد مع زوجها «إبراهيم»، وعرّف «سارة» للملك على أنها شقيقته، وكانت «سارة» بارعة الجمال، وضيئة المحيا، أعجبت الملك أيما إعجاب، وحاول أن ينالها، لكن الله تعالى منعه من ذلك، فابتعد عنها ووهبها «هاجر» كي تخدمها.
حملت هاجر من «إبراهيم» وأنجبت له ولده الأكبر نبى الله إسماعيل، وكان عمر الأب وقتها 86 عاماً، وكان ذلك قبل مولد «إسحاق» بـ13 عاماً، كما يقرر «ابن كثير» فى «قصص الأنبياء».
ورغم تشوق «سارة» إلى الولد، إلا أنها لم تقبل فكرة أن يأتى الطفل لزوجها «إبراهيم» من غيرها، فغارت من «هاجر»، وهى التى وهبتها لإبراهيم بالأمس، وطالبته بإبعادها، فأبعدها النبى إلى حيث أمره الله بمكة المكرمة، لتبدأ من هناك واحدة من أقدس الملاحم فى تاريخ الحنيفية، وهى ملحمة الحج.. يقول الله تعالى: «رَّبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ».
وقعت معجزة كبرى فى حياة نبى الله إبراهيم، وكان عمره 99 عاماً، إذ بشره الخالق العظيم وزوجته بغلام، فأنجبت «سارة» ولدها «إسحاق»، تلك الواقعة التى كانت مثار استغراب من جانب الأم نفسها، حين بُشرت بالخبر: «قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ».
حدثت المعجزة وتحقق الحلم لنبى الله إبراهيم، بعد أن مضى به العمر، وشارف على عمر المائة، وبات له ولدان، الكبير «إسماعيل» والصغير «إسحاق»، وحول هذين النبيين نشأ خلاف حاد ما بين المسلمين واليهود، على من كان منهما الذبيح.