إسرائيل تعني «الاحتلال، العدوان، قتل الأسرى، الاغتيالات للعلماء والخصوم، الاستيطان في أراضى الغير، الهيمنة بالباطل على الشرق الأوسط ومقدراته»، ومن أهم سوءات الدولة العبرية الاغتيالات التي لم تتوقف يوماً منذ إنشائها، والتي طالت خصومها في بلاد كثيرة، فلم تتوقف على فلسطين المحتلة، بل امتدت إلى فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص ومالطا والنرويج وأوغندا وماليزيا وإيران ولبنان وتونس وسوريا والعراق والإمارات والسودان، فقد انتهكت إسرائيل سيادة كل هذه الدول واخترقت حرمتها لاغتيال خصومها.
وأكثر الدول العربية التي قام فيها الموساد باغتيالات هي لبنان وتونس وسوريا، أما البلاد الأجنبية فكانت فرنسا واليونان وقبرص وإيطاليا هي الأكثر، ولم يترك الموساد الإسرائيلي عالماً عربياً فذّاً إلا واغتاله، خاصة في التخصّصات الدقيقة التي تنقل البلاد العربية نقلة نوعية، فقد اغتالت د. يحيى المشد العالم في الفيزياء النووية، الذي كان يعمل في المفاعل العراقي، ود. سميرة موسى، عالمة الذرة، ود. فادي البطش عالم الهندسة الكهربائية الفلسطيني والمحاضر في جامعة كوالالمبور وصاحب الاختراعات الكثيرة في تخصّصه، واغتيل في ماليزيا، واغتالت جمال الزبدة الفلسطيني الحاصل على الدكتوراه في الطيران المدني، والذي أشرف على مشروع تطوير الصواريخ في كتائب القسام، رغم أن عمره كان 65 عاماً، كما اغتالت د. سعيد السيد بدير في الإسكندرية.
واغتالت محسن فخرى زادة «أبو البرنامج النووى الإيرانى»، فضلاً عن عشرات العلماء العرب والمسلمين الآخرين، كما اغتالت عشرات الصحفيين الفلسطينيين عمداً، وأبرزهم الصحفية العملاقة شيرين أبوعاقلة، التى أزعجت بنشاطها الصحفى إسرائيل وفضحت جرائمها، فقتلتها تحت بصر العالم كله، وأكثر من 150 صحفياً فلسطينياً فى غزة فى الأيام الأخيرة.
نهج الاغتيالات الإسرائيلية بدأ منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، وهو نهج بدأته العصابات اليهودية حتى قبل إعلان دولة إسرائيل، فقد اغتالت عصابة شتيرن اللورد موين، وزير الدولة البريطانى لشئون الشرق الأوسط عام 1944، والكونت برنادوت المبعوث الأممى للقضية الفلسطينية، وهو نهج مستمر، ولن يكون اغتيال «هنية» آخر الاغتيالات، وقد لعب جهاز الموساد الإسرائيلي الدور الأبرز في الاغتيالات الخارجية، وشاركته أجهزة الشاباك والجيش في الاغتيالات في الضفة والقطاع، وعادة ما يستخدم الموساد الطرود الملغومة، والمسدسات كاتمة الصوت، والسيارات المفخّخة، والقنص، والسموم، والطائرات المسيّرة، انتهاء بالقصف الجوي. وقد تؤدي هذه الاغتيالات إلى نتيجة عكسية على إسرائيل، مثلما حدث بعد اغتيال عباس الموسوي، الأمين السابق لحزب الله عام 1992، فقد أدى إلى ظهور قيادة للحزب أشد وأشرس منه، كما أن الحزب انتقم بضربة موجعة حينما فجّر مبنى السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين ومبنى الجالية اليهودية فيها، ما أدى إلى مقتل 29 في الأولى و85 في الثانية. وكذلك بعد اغتيال إسرائيل يحيى عياش «مهندس المتفجرات» قامت «القسام» بالانتقام له بعد شهرين، بتنفيذ 4 تفجيرات أدت إلى مقتل 60 إسرائيلياً وإصابة المئات.
وحينما اغتالت أبوعلي مصطفى، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 2001، ثأرت الجبهة له بعد شهرين عبر اغتيال رحبعام زئيفى، وزير السياحة الإسرائيلي المتطرف.
إسرائيل تغتال بلا وعي ولا فكر ولا رؤية، فقد قتلت الشيخ أحمد ياسين، رغم أنه لا يتحرك فيه إلا رأسه، وكان رجلاً هادئاً يقبل الحلول الوسط، وظلت تغتال القادة من بعده «الرنتيسي»، وحاولت اغتيال «مشعل» بالسم في الأردن، واغتالت «هنية» لتصل إلى أشدهم على إسرائيل وهو «السنوار».
وكلما اغتالت قائداً من «حماس» جاء الذي بعده أكثر قوة وشراسة في مواجهة إسرائيل، التي لا تُفكر أبداً في حل جذري للقضية الفلسطينية عبر إعطاء الشعب الفلسطيني حقه في الحياة وإقامة دولته مثل دول وشعوب العالم، فهي آخر احتلال على وجه الأرض وأسوأ احتلال في الوقت نفسه، أما قادة فتح الذين اغتالتهم فهم بالعشرات، فقد حاولت اغتيال ياسر عرفات عدة مرات وفشلت، واغتالت أبوجهاد، وأبوإياد وهما من أبرز مساعدي ياسر عرفات، فضلاً عن اغتيال كمال ناصر، وكمال عدوان ويوسف النجار، وحسين أبوالخير، ود. عز الدين القلق، وعلي حسن «الأمير الأحمر»، وزهير محسن، ويوسف مبارك، ومحمد طه، وطارق سليم وغيرهم من قادة فتح، مما يصعب حصره في مقال.
وقد لخص الصحفي الإسرائيلي «رونين بيرجمان» في كتابه الموسوعي المسمى «انهض واقتل أولاً، التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية» نهج إسرائيل في الاغتيالات، وأثبت الكاتب أن سياسة الاغتيالات تعتبر قصيرة النظر، لأنها تفشل في توليد حل طويل الأمد لمعضلة الأمن الإسرائيلي وليست بديلاً عملياً للمفاوضات والتسوية الشاملة. كل الذين اغتالتهم إسرائيل منحهم الله «وسام الشهادة»، وهو أعلى وسام رباني بعد وسام النبوة والصديقية.
سلام على الشهداء، فدماؤهم ستكون لعنة على المحتل الغاصب الإسرائيلي.