في أكتوبر الماضي، تحدث الرئيس السيسى خلال مؤتمر «حكاية وطن» عمّا أسماه «حالة القِلّة»، حيث يُراد للمواطن المصري أن يشعر دائماً بأنه «أقل» من أن ينجز أي شيء.
في الكلمة، ساق الرئيس السيسي أمثلة بإجراءات مضادة قامت بها الدولة خلال السنوات الماضية، منها مثلاً الحرص على جودة وجمال المباني في العاصمة الإدارية، بحيث ينظر المواطن لبلده نظرة مختلفة. تحدث الرئيس أيضاً عن أن هذه الحالة يتم إعادتها مرة أخرى من أطراف معينة استغلالاً للأزمة الاقتصادية خلال آخر عامين.
هذه نقطة هامة، استرجعتها في ظل ما لاحظته مؤخراً بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعى من بناء ممنهج لهذه الحالة، هى ليست تصرفات عشوائية، وإنما ترسيخ للفكرة عبر حرب نفسية تستهدف المواطن المصرى بشكل مباشر.
خذ مثالاً، بل أمثلة، على الخطوات التى تتم على نحو مدروس لتصدير هذه الصورة.. هل لاحظت تركيزاً تاماً من الإعلام المعادي ولجان الإخوان على مواقع التواصل الاجتماعي، على الربط بين الأزمة الاقتصادية وما أنجزه المصريون على مدار 10 سنوات من مشروعات غير مسبوقة لتطوير البنية التحتية وبناء المدن الجديدة؟ المطلوب هنا أن تشعر بالعجز وبأنك حتى إن تغلبت على ضعف الإمكانيات وقررت البناء، فستدفع الثمن بالإفلاس!
ما تحمّله المصريون، ولا يزالون، من أجل الإصلاح الاقتصادي، وما صاحبه من إجراءات لترشيد الدعم وضبط سعر الصرف، هو نموذج للوعى الحقيقي الذى لا يتوافر بسهولة لدى شعوب في دول متقدمة.. كيف يتم تصوير هذا الصبر؟ أنت لست صابراً، أنت مُجبر على التحمل لأنك محكوم بالحديد والنار، أنت أقل من أن تختار الصبر!
عاش المصريون حالة من الابتهاج والفرح بإنجاز صفقة رأس الحكمة، التي تمثل تتويجاً لمخطط تنمية الساحل الشمالي الغربي، ضمن مخطط 2052، وهى صفقة الاستثمار الأجنبي المباشر الأضخم في تاريخ مصر.. كيف يتم تصويرها؟ هذا ليس استثماراً أجنبياً، أنت أقل من أن تجذب استثماراً أجنبياً، أنت تبيع أرضك لأنك مفلس!
ما سبق هو نماذج وأمثلة للفرق بين الحقيقة الواضحة، وبين ما يتم تصويره لتعزيز «حالة القلة» استغلالاً للأزمة الاقتصادية، ولأننا لن نستطيع وقف هذه القذارة، فعلينا أن نعى وجودها وأن نقاومها بالحديث عن إنجازنا بمنتهى الفخر.