رغم هدوئه الداخلي الذي ينعكس على وجهه إلا أنّه صلب المعدن في مواجهة خصومه في الفكر والفلسفة، فيلسوف بمعنى الكلمة ومفكر على مستوى عالي، انشغل بالمنطق الوضعي وكتب عشرات الكتب وآلاف المقالات ورأس العديد من المجلات الثقافية، لكنه مع ذلك كان يفضل الانعزال والعيش في صومعة أفكاره.
لم يحب الظهور ولم يشغف بالشهرة ولم ينتمي إلى حزب ولم يرأس جامعة أو كلية أو قسم من الأقسام الجامعية، هذا هو الفيلسوف الدكتور زكي نجيب محمود الأديب الفيلسوف الذي كان عميقًا في فكره وصلبًا في منطقه وشامخًا في عقله، وهو نفسه كان سمحًا رحب الصدر واسع الأفق.
درس زكي نجيب محمود في إنجلترا متخصصًا في الدراسات الفلسفية العلمية بجامعة لندن، كما درس في الولايات المتحدة، وخلال وجوده هناك ترجم قصائدًا من الشعر العربي نشرتها المجلات الأمريكية والإنجليزية.
اختص زكي، العقاد بحصة كبيرة من ترجماته حيث كان من مريديه والمقربين منه، وعندما كان يشارك في صالونه يوم الجمعة كان يحظى بمعاملة فريدة من صاحب العبقريات، حيث كان من القليلين الذين يدخلون معه في جدال في كثير من أمور الفكر والفن والأدب، ورغم أن العقاد لم يكن صبورًا مع الذين يجادلونه، إلا أنَّه كان يطيل مع زكي لعلمه بصدقه وسلامة مقصده.
والعقاد هو الذي أطلق على زكي لقب «فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة»، وقد برع صاحبنا في الإنصات إلى الأصوات المختلفة، يحاورها بعقلانية وثقة، فاضحا أنماط التفكير اللاعقلاني في ماضينا وحاضرنا، حتى يخلص المستقبل من أدرانها.
كان زكي نجيب محمود علامة فارقة في العلاقة بين الأدب والفن والفلسفة بصيغة متبادلة، وموقفه من الفلسفة العقلية من التذوق الفني ومهمة الفلسفة مع مدرسة الوضعية المنطقية.
تصدى للآراء الجامدة في قضايا الهبوط على القمر أو زرع الأعضاء، أو حكم الذبابة الساقطة في الشراب، فجاءت كتاباته «مرافعة مشهودة» دفاعًا عن العقلانية والحرية.
يؤكد في «قصة عقل» أنَّ الحرية ترتبط بالعقل واحترام ذاتية الإنسان، هي أكبر من التحرر من مستعمر خارجي أو مستبد داخلي، إنّها حرية الإنسان، من حيث هو فرد مستقل يصنع قرار حياته، ليكون مسئولًا بعد ذلك عن قراره أمام الله وأمام الناس وأمام نفسه، رفض فكرة «المستبد العادل» التي نادى بها الإمام محمد عبده، فقد كان أديبنا الفيلسوف صاحب عقل متحرر وفكر منطلق.