للأسف أجدني مضطرا للتحذير من الآن لأقول وبأعلى الصوت أن هيئة قناة السويس ورئيسها ليس لديهم القدرة الكافية على تنظيم فعاليات الترويج لحفل افتتاح مشروع القناة الجديدة، هذا التحذير لا ينفي أن لدى هيئة قناة السويس والفريق مهاب مميش قدرات خارقة مكنتهم من إنجاز مشروع توسعات قناة السويس بالتعاون مع الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة في الموعد المحدد، وهي جهود يمكن أن توصف بأنها إنجازات، توجب توجيه الشكر والتقدير لكل مشارك في تحقيقها، ولكن الكفاءة في العمل شيء والفهم في الإعلام وفنون الترويج شيء آخر تمامًا !
لقد أصبت بالحزن والأسى وأنا أتابع النقل المباشر لوقائع المؤتمر الصحفي الذي دعا إليه الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، لإعلان اسم التحالف الفائز بترويج حفل افتتاح القناة الجديدة، بدأ المؤتمر ببيان للفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس، استعرض فيه بيانات فنية ومتخصصة جدًا، أرى أنها لا تهم المشاهد العادي، وأظن أن هذه المعلومات هي المعلومات ذاتها التي أدلى بها الفريق مميش في كلمته التي ألقاها، قبل عام كامل، عند تدشين العمل بالمشروع!
البيانات كانت من نوعية الجهود التي تمت لإنجاز المشروع مثل معدلات الحفر الجاف وأكبر عملية تكريك في التاريخ وعدد الكراكات التي شاركت في العمل وتسوية مناسيب المياه عند سطح القناة، إلخ.. وهي معلومات مهمة جدًا ومفيدة، ولكن كان يتعيَّن على الفريق مميش أن يطوف بنا في كلمته إلى الخطوة التالية بعد إنجاز مشروع توسيع القناة، وأن يوضح للناس الأفق التي تنتظر مصر عامة ومنطقة قناة السويس خاصة، بعد إنجاز هذا المشروع الكبير.
وبعد أن انتهى الفريق مميش من بيانه، قدم لفيلم تسجيلي، أعتقد أنه لا يستحق كمحتوى ولقطات أن يطلق عليه وصف فيلم، فما شاهدناه هو عبارة عن مجموعة من اللقطات ـ رديئة الجودة ـ تُظهر في تتابع غير متجانس مجموعات قليلة من الآليات تقوم بإزالة بعض الأحجار وأكوام التربة، وتظهر أعدادًا قليلة جدًا من العمال لا يتجاوز عددهم عدد اليدين في أحسن الأحوال، لم نرَ الحشد البشري الضخم الذي جسَّد ملحمة تنفيذ مشروع القناة الجديدة والذين تجاوز عددهم أكثر من أربعين ألف عامل مصري، لم نرَ لقطات توضح الآليات الضخمة التي واصلت الليل بالنهار لإنجاز المشروع في وقته المحدد، هذا بالإضافة إلى أنه تم تكرار استخدام الكثير من هذه اللقطات الضعيفة بصورة توضح أن هناك استسهالًا يصل إلى درجة غير مقبولة من صناع هذا التهريج المسمى تجاوزًا فيلمًا تسجيليًا، وكانت الطامة الكبرى، كما أراها، حين رأيت على اللقطة الأخيرة للفيلم، لوحة مكتوب عليها وباللغة الإنجليزية إخراج مجدي الهواري، وحقيقة لا أدري ما هو الإخراج في ذلك الذى أرى أن كلمة "العك" هي الوصف الأدق الذي يناسبه!
وبعد انتهاء عرض تلك اللقطات، أعلن الفريق مميش اسم التحالف الفائز بتنظيم حفل افتتاح المشروع، ودعا رئيس التحالف إلى إلقاء كلمة كانت عبارة عن حشد لمجموعة من العبارات الحماسية ورغم ثقتي في صدقها، إلا إنها ليست على مستوى الحدث وتبع ذلك عرض ما قالوا إنه فيلم تسجيلي قالوا إنه يشير إلى الأدوات التي ستستخدم لترويج مشروع قناة السويس الجديدة، والحقيقة جاء محتواه ضعيفًا وتقليديًا جدًا، وأتمنى أن يكون لدى التحالف الفائز بترويج حفل الافتتاح أشياء مثيرة، وقال رئيس التحالف إنه لن يعلنها باعتبارها من الأسرار!
ثم أعلن مقدم الحفل عن فتح باب الأسئلة والاستفسارات من الصحفيين حاضري المؤتمر وأعلن الفريق مهاب مميش استعداده للرد على كل الأسئلة.
وجاءت أولى المداخلات، التي أعتبرها صادمة جدًا، فقد قام أحد الأشخاص ليتحدث وعرف نفسه بأنه ممثل المصريين بالخارج، وقال بتأثر موجهًا كلامه للفريق مميش: "معلهش أصل أنا مش عامل حسابي، أنا بأتبرع بـ300 يورو همه اللي معايا لحفل الافتتاح".. وترك الرجل مكانه وتوجه إلى المنصة التي كان يقف وراءها الفريق مميش، محاولاً إعطاءه مبلغ التبرع، ولكن الفريق مميش الذي فوجئ بالموقف قال إننا نفتح حسابًا بالعملة الأجنبية وآخر بالعملة المصرية، وسيكون للمساهمات وليس للتبرعات، وأضاف الفريق مميش موجهًا كلامه للرجل وسوف نبلغك بأرقام الحسابات!
لاحظت كذلك أن القنوات التليفزيونية والصحف التي تحتل مكان الصدارة في الإعلام لمحلي اختفت ولم يشارك من ممثليها في المؤتمر الصحفي أو على الأقل في توجيه الأسئلة والاستفسارات للفريق مميش، فجاءت معظم الأسئلة ـ مع كل التقدير لكل من سأل ـ جاءت ضعيفة لا علاقة لها بالحدث الأساس.
إلى من يهمه الأمر في هذا البلد.. أعتقد أن تحقيق إنجاز في أي مجال، يحتاج إلى أناس محترفين متمرسين في مجالاتهم، ويحتاج أيضًا إلى أناس لديهم قدرات على ترويج هذا الإنجاز، وخصوصًا إذا كان إنجازًا بحجم مشروع توسعة مجري قناة السويس.