عامل وحيد وخطير أفرزته ثورة 25 من يناير، وأدى إلى قلب المعادلة السياسية فى مصر رأساً على عقب، وهو ظهور الشعب كأهم طرف من أطرافها. وليس أدل على ذلك من أن كل الأطراف تلعب الآن وعينها على الشعب: الإخوان، والسلفيون، والفلول، والمسئولون، والقوات المسلحة، والقضاة. فالإخوان لا يتحركون إلا برغبات شعب مصر العظيم، والسلفيون يرفعون راية التعبير عن شوق المصريين إلى تطبيق شرع الله، والقضاة يحاولون حماية القضاء من تغول السلطة التنفيذية من أجل الشعب، والرئاسة تحاول حماية الشعب من تغول النائب العام، والنائب العام يحرك بلاغات الكسب غير المشروع حالياً بوتيرة أسرع، من أجل استرداد أموال الشعب.
الكل يلهث وراء الشعب، ولكن هل فاز أحد منهم بالرضا السامى؟. الشعب من طرفه يراقب أداء الجميع، ويرصد ويحلّل ويخزّن، مثل الجمل، حتى يتخذ قراره بالإبقاء على طرف معين أو دفنه فى أسفل سافلين. لقد كان الدرس الذى لقنه الشعب لكل أطراف اللعبة السياسية فى مصر خلال ثورة يناير قاسياً، عندما تحرك ليثبت أن الشعوب لا تموت. نعم كان الشعب يعانى اقتصادياً ومعيشياً، لكنه لم يتحرك للثورة بدافع الجوع، بل بدافع الكرامة. فقد داس المخلوع وأفراد أسرته ورجال عصره على كرامة الناس واستخفوا بهم أشد الاستخفاف، زوّروا الانتخابات، وبدأوا تنفيذ سيناريو توريث الحكم لابن المخلوع، وتعاملوا مع الشعب وكأنه جثة هامدة لا حراك فيها، حتى جاء الرد مدوياً يوم «ثلاثاء» الثورة.
وواهم من يظن أن ثورة هذا الشعب قد ماتت؛ فهى ما زالت حية ونابضة، ويخطئ الورثة من حكام اليوم، إذا تصوروا أن بإمكانهم الاستمرار فى اعتلاء منصب القيادة والسيادة، مقابل مجموعة من الخطب والمواعظ، أو الشعارات الكاذبة المرفوعة بتطبيق الشريعة، أو تحكيم كتاب الله فى المصريين. فهذا الشعب ليس مغفلاً، يستطيع أى «دقن» أن يضحك على «دقنه». استمرار نظام الحكم الحالى يفرض عليه توفير الحد الأدنى للحياة الكريمة، وحل المشكلات المعيشية المتعددة التى يعانى منها المواطن، فإن نجح فى ذلك اكتسب شرعية الاستمرار، وإذا أخفق فلن يغنى عنه «دقن» أو «شريعة» أو «خلافة». فالفقر يورث الكفر، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من «الكفر والفقر». وإذا كان المصريون قد ثاروا ثورتهم العارمة فى يناير 2011 نتيجة «عضة الكرامة»، فمن المؤكد أنهم سيثورون بدرجة أعلى من الشراسة فى مواجهة «عضة الفقر والفقراء». ذلك هو المأزق الذى يواجهه النظام الحالى، ولم يعد لديه سبيل للخروج منه، سوى أن تمتد إليه يد الخارج بالمعونات العاجلة والقروض الناجزة، وإلا فلن يعيش لأكثر من ثلاثة أشهر قادمة.. وبكرة أفكركم!.