بـ"عين واحدة".. يبيع "ناصر" الذرة ويشتري الناس ابتسامته
لا أحد بطول شارع العريش يجهله، نفس الابتسامة والترحاب الذي يستقبل بهما زبائنه في كل مرة، "ناصر غريب" الذي يقصده الجميع ليس لطلب "كوز الذرة المشوي" فحسب، لكن طلبًا في مساعدته، فهذا يقدِّم له نقودًا وذاك يتغزل في مذاق بضاعته، وثالث يشاركه الحديث في اهتمامه، بينما يقف هو مبهوتًا أمام طاولته الخشبية، يراهم بالكاد بعين واحدة، فلا تقوى الثانية على النظر تحت قدميه.
كلما استيقظ "ناصر" من نومه حمد ربه على بقاء الحواس الأخرى بحوزته، النعم التي جعلته قادرًا على الوقوف على قدميه ليبيع الذرة، وذراعان يمسك بهما المروحة ليهش بهما الدخان أثناء الشوي، وعين واحدة تستطيع بالكاد متابعة عمله، "عينايا راحت في حادثة وأنا صغير كنت بلعب مع العيال وقعت على طوبة وبقى لي 20 سنة بشوف بالعافية، بس الحمد لله على أي حال".
الشاب الثلاثيني ذاق الأمرين في رحلة البحث عن علاج لعينيه، "كل ما أروح لأي دكتور في مستشفى حكومي يبلغوني إن عمليتي محتاجة 5 آلاف جنيه بس أنا مش معايا الفلوس دي"، عائل الأسرة لا يجد حلًا سوى الصبر حتى يعجل الله في أمر علاجه، "دخلي في اليوم 20 جنيه، مش بيأكل عيش حاف في ظروف الغلا دي، نفسي حد من المسؤولين يحس بي أنا اتحرمت من التعليم والشغل بسبب إصابتي، ودلوقتي محروم من الإبصار بصورة جيدة".
العين الواحدة التي حرمته من التعليم حين كان صغيرًا، تهدد أبناءه أيضًا من حرمانهم من فرصهم من التعليم، "مش عارف لو عيني التانية راحت خاصة إني فعلًا مابقتش أشوف بصورة جيدة، ممكن أأكل عيالي إزاي؟!، نفسي أعلمهم وأكبرهم، ومش عايز عيني تكون سبب في أذيتهم هما كمان".