في الساعة التاسعة صباحا وقفت بجوار قهوة أو مقهى بغرض تليمع حذائي، أتاحت لي وقفتي الفرصة لمراقبة ما يجري في القهوة، كان من أهم ما لاحظت أن لا طاولة تخلو من شخص على الأقل يدخن الشيشة أو النرجيلة كما يطلق عليها في بعض الدول العربية، أثارتني تلك الملاحظة فالوقت مبكر جدا وهؤلاء يجلسون يمسك كل منهم بخرطوم الشيشة وينفث الدخان مستمتعا وفي يده الموبايل يقلب في شاشته. هل ترك هؤلاء أشغالهم وتسللوا إلى القهوة بغرض التدخين الشيشاوي؟.
وجدت الشيشة في بداياتها كبديل لتدخين السجائر التي اخترعها الأوروبيون ونشروها في الدول التي استعمروها، من أشهر الحكايات عن اختراع الشيشة حكاية الطبيب الإيراني أبو الفتح جيلاني وهو طبيب من الهند بأصول إيرانية، عاش في عهد الإمبراطور المغولي جلال الدين أكبر بالقرن السادس عشر. وقتها بدأ التدخين ينتشر بشكل كبير بعد ما وصل التبغ للهند عن طريق البرتغاليين، لكن الجيلاني كان يرى أنّه ضار بالرئتين، وابتكر جيلاني فكرة الشيشة كطريقة لتصفية الدخان عبر الماء، ظانًا إنأها تنقي الشوائب.
انتشرت الشيشة في المجتمعات المحيطة بسرعة وصارت رمزًا للترفيه والتسلية في مجالس الملوك، ومنها لكل أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
بفضل السفر والتجارة انتقلت الشيشة إلى دول كثيرة، وكل منطقة طورت طريقتها الخاصة في التحضير والتدخين بالنكهات المحلية والأدوات المستخدمة.
واليوم صارت الشيشة جزءا أساسيا في مقاهينا ومجتمعاتنا في القاهرة ودمشق وبغداد وكل العواصم والبلدان العربية وفي الدول المجاورة، بل انتقلت إلى أمريكا وأوروبا ودول العالم كله، مع زيادة حجم السفر للمواطنين العرب والأوسطيين، وصارت موجودة في صالات مخصصة للشيشة في لندن ونيويورك، وصارت الجلسات الاجتماعية حول الشيشة شيئا مميزا يجمع الأصحاب.
طورت القهاوي الشيشة وصارت تستخدم أنواعا عديدة من الدخان، منها المعسل بأنواعه والذي صار متنوعا كذلك بطعم الفواكه، وهو ما حبب الشباب والنساء في تدخين الشيشة وبالتالي توسيع دائرة المستهلكين. ويعتقد البعض أنّ تدخين الشيشة أقل ضررا من تدخين السجائر وهو أمر غير صحيح فالدخان في كل الأحوال يحمل أضرارا كبيرة للمدخنين ويسبب نفس الأمراض التي تسببها السجائر.
صارت توليفة الشيشة مع الموبايل من أكثر المشاهد انتشارا ويبدو أنّ الفرد يلجأ لهما معا لقدرتهما على إشعاره بالعزلة عن العالم المحيط به، وربما فصل مشاعره عن العالم وما به من حلو أو مر.