على ألسنة المصريين دائماً عبارة «العرق دساس» التى يردها البعض إلى حديث ضعيف عن النبى، صلى الله عليه وسلم. تؤشر هذه العبارة إلى الحظ فى الذرية التى قد تكون طيبة أو خبيثة، والعبرة بالأصل. القرآن الكريم أشار إلى العامل الوراثى، حين يرث الأبناء صفات وخصال الآباء والأجداد، يقول تعالى: «ذرية بعضها من بعض»، وهو أيضاً يشير إلى أن عهد الله لا يناله إلا الطيبون الخارجون من ظهور الطيبين من بنى آدم، أما من يحيد عن طريق الله، فلا عهد له. يقول تعالى: «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ».
الذرية إذن تخضع لثنائية «الخبيث والطيب»، فقد تكون خبيثة مزعجة، وقد تكون طيبة، وقد انقسم على هذه الثنائية «ابنا آدم» اللذان حكى عنهما القرآن الكريم.. قال تعالى: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ». فالله تقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل، فكان أحدهما نموذجاً على الخبث، والثانى مثالاً تجسدت فيه الطيبة، وكان «ابن نوح» أيضاً نموذجاً على الخبيث الذى خرج من ظهر طيب، فى حين كان أبناؤه الآخرون طيبين من ظهر طيب.
هل تذكر دعاء «زكريا» لربه: «هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ» لقد كان يحلم بالذرية، وتحديداً الذرية الطيبة، لأنه كان يعلم بالتجربة أن الله قد يحرم الإنسان من الذرية لأن علمه الذى أحاط بكل شىء يدرك أن الذرية التى يحلم بها الأب قد تحيل حياته إلى جحيم إذا كانت خبيثة، لذلك دعا زكريا ربه بأن يهبه ذرية طيبة، والذرية الطيبة هنا هى التى تقر بها عين الآباء، قال تعالى: «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ».
فى رحلة نبى الله موسى مع عبده «الخضر» عليهما السلام برز نموذجان جديدان للذرية الخبيثة والطيبة، الأول كان الغلام الذى قتله الخضر: «فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ»، وكان هذا الغلام خبيثاً خرج من ظهر أب وأم طيبين، فشاءت حكمة الله أن يلقى حتفه: «وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا»، لقد كان الله رحيماً بالأب والأم اللذين لا يعلمان أن هذا الغلام إذا عاش فسيكون سر شقائهما فى الحياة، وكان رحيماً بالغلام حين اقتضت مشيئته أن يرحل عن الحياة قبل أن يتملكه شيطانه فيظلم نفسه ويذنب فى حق أهله وربه وتكون عاقبته العذاب. النموذج الثانى تمثل فى الغلامين اللذين أقام «الخضر» الجدار الذى اختفى تحته كنز لهما، وحفظه لهما حتى يبلغا أشدهما ويستخرجاه.. يقول تعالى: «وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ».
كأن الذرية الطيبة آية من آيات رحمة الله بعباده الطيبين، حتى بعد رحيلهم عن الحياة.