من المنظور القرآنى يخضع المال هو الآخر لتصنيفة «الخبيث والطيب»، وذلك تبعاً لمصدر جمعه أو حصده، فإذا كان حراماً خبُث، وإذا كان حلالاً طاب.
وقد حذّر الله تعالى الإنسان من أن يأكل حراماً، وحثّه على طلب الحلال، يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِى الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ»، فالشيطان هو المحرّض الأول للإنسان على البحث عن المال السهل وتجنّب المال الصعب.
المال السهل يأتى دون جهد أو عناء -وذلك مصدر خبثه- وليس له سوى أحد طريقين: الأول هو السرقة والنهب، لمن تتيح له ظروفه أن يسرق أو ينهب أو يأكل حقوق الناس، والثانى هو التسول بمعناه التقليدى القديم وبمعناه وتجلياته الحديثة أيضاً.
فى المقابل يأتى المال الصعب، فهو المال الذى يحصده صاحبه بالجهد والعرق والتعب -وذلك مصدر طهره- فهو الذى ينفع صاحبه وتطيب به حياته. يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ».
قدم القرآن الكريم صورة بديعة لمسألة الطمع فى المال الخبيث وإيثاره على المال الطيب من خلال العلاقة بين الوصى على المال واليتيم الذى وقع فى قبضته، وذلك فى قوله تعالى: «وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا».
فالوصى على مال اليتيم مُطالب بأن يمنحه ماله كاملاً حين يبلغ رشده، وقد نهاه الله عن الطمع فى الطيب من مال اليتيم ونهبه ووضع الخبيث من مال الوصى مكانه، إنها المحاولات الدائبة لاقتناص المال السهل الخبيث، وتفضيله على المال الصعب الطيب، من خلال أكل مال اليتامى بغير حق، وعدم الالتفات إلى ما فى ذلك من إثم وذنب.
والمعنى فى هذه الآية الكريمة يصلح كأساس لفهم ألعاب النهب أياً كانت صورها، والتى يستحل فيها قوى مسيطر مال الضعاف الذين لا يملكون فى مواجهته شيئاً.
لا قيمة لمال خبيث تم جمعه من حرام فى النهوض بفرد أو تطوير مجموع، فالمال الفاسد يرتد إلى صدر صاحبه، وقد أمر الله تعالى الإنسان بأن ينفق من طيبات ما كسب: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ».
ويرى الفقهاء أن الإنفاق فى الآية الكريمة يعنى الصدقات، وظنى أن المعنى أوسع وأشمل من ذلك ويحتمل كل أوجه الإنفاق، الإنفاق على الأهل والولد، وعلى النفس، وعلى الواقع المحيط. كل أوجه الإنفاق لا بد أن يكون مصدرها المال الطيب، حتى يحقّق الإنفاق نتائجه، فيؤدى إلى تحسين أحوال الفرد والمجموع.
قال تعالى: «لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ»، وكلمة البر تعبر عن منصة شاملة لكل ما هو خير فى الحياة الدنيا وفى الآخرة، ولا يستطيع الإنسان أن يصل إلى هذه المنصة إلا إذا أنفق مما يحب، وأكثر مال يحبه الفرد هو المال الذى جمعه بالجهد والعرق.. المال المتعوب فيه يكون عزيزاً على صاحبه، وكثيراً ما يشق عليه إنفاقه، وقد وجّه الخالق العظيم الإنسان إلى ضرورة الإنفاق من هذا المال على وجه التحديد، لأنه وحده الكفيل بالأخذ بيديه إلى منصة البر.