ازدحمت الساحة العالمية والإقليمية بالأخبار المصرية خلال الأسبوع الماضى، مما أحدث زخماً يستدعى التأمل والتدبر، فقد احتشدت الدول العربية قاطبة لتشكل حائط صد رافضاً لهجمة مجرم الحرب الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وترهاته وأكاذيبه عن مصر، ثم لحقت تركيا بالركب العربى فى إشارة تعمق الترابط وتوسع المساحات المشتركة، وتستكمل حفاوة رئاسية غير مسبوقة من الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بنظيره المصرى عبدالفتاح السيسى، الذى زار العاصمة التركية فى أول زيارة مصرية على مستوى رئاسى منذ 12 عاماً.
فيما وصلت القوات المسلحة المصرية العاصمة مقديشو للمشاركة فى بعثة حفظ سلام جديدة، «ولم تمضِ سوى ساعات على وصول طائرتين عسكريتين مصريتين محملتين بالأسلحة والمعدات العسكرية إلى الأراضى الصومالية، حتى خرج بيان إثيوبى حاد اللهجة، يتهم جارتها مقديشو بزعزعة الاستقرار فى المنطقة»، وذلك بحسب ما ذكر موقع «بى بى سى عربى». وفى هجوم مضاد وجه وزير الخارجية المصرى بدر عبدالعاطى خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن الدولى، أكد فيه «رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولى، التى تُشكل خرقاً صريحاً لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا فى عام 2015». لتصبح العلاقة مع إثيوبيا على حالة «استعد» وفق اللهجة العسكرية المعروفة.
فيما قامت الدولة المصرية بالرد على إسرائيل برسائل قوية واضحة، استهلها بيان من الخارجية المصرية، جاء فيه أن «مصر أعربت عن رفضها التام للتصريحات التى أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلى، والتى حاول من خلالها الزج باسم مصر لتشتيت انتباه الرأى العام الإسرائيلى، وعرقلة جهود الوساطة التى تقوم بها مصر وقطر والولايات المتحدة». وأضاف البيان أن: «مصر تحمل الحكومة الإسرائيلية عواقب إطلاق مثل تلك التصريحات التى تزيد من تأزيم الموقف، وتستهدف تبرير السياسات العدوانية والتحريضية، والتى تؤدى إلى مزيد من التصعيد فى المنطقة».
وقبل أن ينتهى الأسبوع، الفريق أحمد خليفة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، فى زيارة مفاجئة لتفقد الأوضاع الأمنية وتأمين الحدود المصرية مع غزة، والتقى جنود حرس الحدود فى محيط معبر رفح، حيث أكد لهم وللعالم أن «المهمة الرئيسية للقوات المسلحة المصرية هى الحفاظ على حدود الدولة على كافة الاتجاهات الاستراتيجية، وأن رجال القوات المسلحة قادرون على الدفاع عن حدود الوطن جيلاً بعد جيل»، مؤكداً على «أهمية التحلى بالعلم والإرادة والحفاظ على اللياقة البدنية العالية لضمان تنفيذ كافة المهام باحترافية عالية». لتصبح العلاقة مع إسرائيل فى وضع «حالة تأهب» وفق اللهجة العسكرية أيضاً.
فيما تواصلت أصداء زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أنقرة، التى كانت الحدث الأبرز الذى توقف أمامه العالم، وأكد مراسل صحيفة «الشرق الأوسط» فى أنقرة أن «وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعى ركزت بشكل كبير على الاستقبال الحافل من جانب الرئيس أردوغان للرئيس السيسى وكسر قواعد البروتوكول مرتين فى يوم واحد باستقباله عند باب الطائرة فى مطار «إسنبوغا» فى أنقرة وتوديعه بالطريقة ذاتها.
وأحدث الموكب الكبير الذى كان فى استقبال السيسى ووداعه بالمطار، حيث اصطحبه أردوغان فى سيارته الرئاسية ذهاباً وإياباً فى أثناء الوصول والمغادرة، صدى واسعاً واجتذب عشرات الآلاف من التعليقات على منصات التواصل الاجتماعى التى تؤكد أن عودة العلاقات بين مصر وتركيا «حدث تاريخى» وعودة إلى الطريق الصحيح». لا شك أن الزيارة أذابت ما تبقى من جليد بين الزعيمين واستعادت بها العلاقات المصرية التركية زخمها وحرارتها، فاكتملت دائرة التفاعل الإيجابى والنضج فى التخطيط، والذى توجه تطوير عملية الانفتاح الاستثمارى وزيادة التبادل التجارى بين البلدين فى كافة أوجه التعاون الاقتصادى الحالى والمستقبلى، وترجمه توقيع 17 اتفاقية جديدة شملت مجالات متنوعة، من بينها الصناعة والتجارة والدفاع والصحة والبيئة والطاقة.
أما المباحثات السياسية فقد شملها الاجتماع الأول لـ«مجلس التعاون الاستراتيجى» بين البلدين، الذى تطرق فى مناقشاته إلى 6 ملفات ساخنة تتعلق بأزمات إقليمية مهمة تتقاطع حولها مصالح وعلاقات البلدين، ويملكان فيها قدرة على التأثير بحلحلة هذه الأزمات والدفع بطريق الحل فيها، وقد تماثلت وجهات النظر بين مصر وتركيا فى هذه الملفات، فخرجت رؤى مشتركة، كانت كالتالى فى موضوعات ثلاثة: وقف إطلاق النار فى غزة، الحل السياسى للحرب فى السودان، سرعة إجراء الانتخابات الليبية وخروج الأجانب ونزع سلاح الميليشيات، وتطرق النقاش أيضاً إلى ثلاثة ملفات أخرى هى: العلاقات التركية السورية، وما يجرى فى القرن الأفريقى، وإقليم شرق المتوسط.
تتسارع الأحداث فى المنطقة وتلاحقنا، ونتأكد كل يوم من صحة الطريق الذى تسير عليه مصر، وعلى وضوح الرؤية التى قادتنا إلى الاستقرار وسط محيط إقليمى مشتعل، وعلى حسن الاختيار الذى قاد مصر منذ 30 يونيو 2013 وحتى اليوم لترسو على شاطئ الأمان، وفطنت القيادة السياسية إلى مبدأ الحياد الإيجابى فى العلاقات الدولية، وصبغته طبيعة الرئيس المصرى بإطار أخلاقى، أتاح مساحات كبيرة من الود والتفاهم، فبقى الباب مفتوحاً مع الجميع، وبقيت مصر هى مفتاح الحرب والسلام فى المنطقة، وبقيت القاهرة عاصمة التأثير الحقيقى فى الشرق الأوسط.
ولن ينسى التاريخ تحية الرئيس السيسى لحرس الشرف فى قصر «بيشتبه» الرئاسى فى أنقرة، خلال مراسم الاستقبال الرسمى لدى وصوله إلى الأراضى التركية فى صباح يوم مشرق من أيام سبتمبر سنة 2024، حيث توجه إليهم قائلاً: «شكراً عسكر».