تتعرّض مصر يومياً لعشرات -وربما مئات- الشائعات، التي تستهدف في الأساس تزييف الوعي، والتشكيك في أي منجزات، للوقيعة بين الشعب والنظام، وزعزعة الاستقرار.
وترويج الشائعات أصبح مهمة يومية لكتائب إلكترونية تقف وراءها جماعات إرهابية، على رأسها جماعة الإخوان وأجهزة مخابرات أجنبية -إقليمية وعالمية- ولذلك أسّست الحكومة مركزاً لرصد الشائعات، يتبع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، ويقوم المركز يومياً بنفي العشرات منها.
الحكومة هنا تؤدي ما عليها وتقوم بواجبها تجاه المواطنين، ولكن بعض المواطنين لا يقومون بواجبهم تجاه أنفسهم، ويتلقفون الشائعة، حتى إن كانت بلهاء، ويسارعون بنشرها عبر صفحاتهم على الـ«فيس بوك»، إما كما هي وكأنها حقيقة، وإما في صورة تساؤل عن مدى صحتها، وحال نفيها، لا يتحمّس لنشر النفي، ولا يحذف الشائعة من حسابه، ويتركها آملاً في الحصول على «لايكات» و«كومنتات» يباهي به أصدقاءه، والبعض يراها فرصة ليقتل الفراغ، بالتواصل مع المتفاعلين مع ما روّجه.
والمثال الأبرز للكشف عن بؤس ما وصلنا إليه في حرب الشائعات، يتمثّل في انتشار أكذوبة تتضمّن توقيع مصر صفقة مع إحدى الشركات الإماراتية بقيمة 500 مليون دولار، لشراء قمح مصري، تنتجه الشركة من الأرض التي تمتلكها في «توشكى».
الأكذوبة الخبيثة انطلقت لتضرب عصفورين بشائعة واحدة، فهي أولاً تريد زرع الفتنة بين الدولتين الشقيقتين (مصر والإمارات)، لتبدو الأخيرة وكأنها تستغل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به بلادنا، للضغط علينا، وتحقّق لها مكاسب على حساب «لقمة عيش» المصريين، وثانياً الإشارة إلى فشل الحكومة في الإدارة، وخضوعها لشركة إماراتية، فرضت عليها «عقد إذعان» لتوريد الصفقة.
انطلقت الشائعة وكأننا بصدد خبر طازج، وقعت أحداثه خلال أيام قليلة مضت، وحقيقة الأمر أن هذا الحدث تم في أغسطس العام الماضى 2023، عندما تم توقيع اتفاق بين مصر (ممثلة في وزارة التموين) وشركة «الظاهرة» الإماراتية، لتزويد مصر بالقمح المستورد عالي الجودة من الخارج، على مدى خمس سنوات بدأت من عام 2023، وبقيمة سنوية تبلغ 100 مليون دولار، وبقيمة إجمالية تصل إلى 500 مليون دولار كقرض ميسر.
والشركة الإماراتية تورّد القمح إلى مصر بطريقتين، الأولى بالجنيه المصري مقابل القمح الذي تنتجه من «توشكى»، حيث تستثمر في مساحة 70 ألف فدان هناك، والطريقة الثانية بقمح مستورد، بتمويل دولاري من مكتب أبوظبي السيادي.
تلك الشائعة تم إطلاقها خلال العام الماضي، وقال الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين (في ذلك الوقت): إنه لا يمكن ولا يجوز ما يتم ادعاؤه بشأن شراء مصر قمحاً محلياً من الشركة الإماراتية بالدولار. وأشار إلى أن الجانب الإماراتي سيمول شراء أقماح مستوردة من الخارج، أما الأقماح المنتجة من مشروعات الشركات الإماراتية العاملة في مصر فبالجنيه المصري وليس بالدولار.
وأوضح إبراهيم العشماوي، مساعد وزير التموين والتجارة الداخلية، أن اتفاق القرض مع الإمارات جزء من تمويل ميسّر لاستيراد القمح. وأكد أنه لا يمكن استخدام الدولار كمصدر لتمويل شراء سلعة محلية. المعلوم بالضرورة أن الشائعة تنتشر أمام غياب المعلومة الدقيقة، أو حتى نقص تفاصيلها، لكن واقعنا يُبرهن على إمكانية رواج الشائعة، رغم وضوح الحقيقة، وتوافر المعلومات الكافية لإثبات عدم صحتها.
وأخيراً.. قد نلتمس العذر للمواطن إذا وقع في فخ الشائعات، ولا بأس من تكرار تنبيهه، وتحذيره من الانسياق وراء أكاذيب الكتائب الإلكترونية، ولكن المؤسف هو وقوع سياسيين وقيادات أحزاب معارضة، و«مثقفين» في الفخ، وقيامهم بنشر «شائعة القمح» على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، وهاتك يا هجوم على الدولة المصرية «الفاشلة»، وعلى الأشقاء العرب «الأوغاد». ما هكذا تورد الإبل، والمعارضة المبنية على خليط من الجهل والاستسهال وسوء المقصد، لا تُؤتى أكلها، وللمعارضين المخلصين من أجل الوطن والمواطن، عليهم أن يتذكروا، فالطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة، وحتى إن كانت ترويج الشائعات بحُسن نية.