نجحت المقاومة الفلسطينية باقتدار فى أن تُثبت للجيش الإسرائيلي أن الأنفاق صارت فخاخاً لقواته، وأنها تتعمّد ترك بعض الأنفاق الفارغة لتضليل القوات الإسرائيلية، أو إحباطها بعد زهو يتملكها قليلاً حين تصل إلى نفق ما، وهى تظن أنها قد اقتربت من قادة حماس.
وتوظّف المقاومة عجز الجيش الإسرائيلى، حتى الآن، فى القبض على قادة حماس، خصوصاً يحيى السنوار ومحمد ضيف والناطق الرسمى أبى عبيدة، فى النيل من الروح المعنوية للقيادة العسكرية الإسرائيلية بمرور الوقت، على اعتبار أن نتنياهو يعتبر الإمساك بأى منهم أو قتله، إنجازاً، يمكن تسويقه نصراً.
وعبر الصورة تمارس المقاومة ضغطاً نفسياً شديداً على الجيش الإسرائيلى، إذ لا يمر يوم حتى تبث مشاهد لقنص ضباط وجنود، أو إيقاعهم فى فخ، وعرض آلياتهم مدمّرة أو معطوبة، وخطف جنود وأسرهم من جديد. وهذه الصور أتت ثمارها فى امتناع البعض عن مواصلة المعركة، مثل هذه السرية التى رفضت القتال فى غزة، بذريعة عدم توافر غطاء جوى يحميها. ولم يكن أمام قيادة الجيش من سبيل سوى إقالة قائد السرية ونائبه، حتى لا تسرى حركة الرفض بين جنود آخرين.
وعزفت المقاومة بمهارة فائقة على وتر إدراك الجيش الإسرائيلى لنفسه أنه «لا يُقهر»، وعلى شعور الجندى بأنه قادر، فى أى وقت، على إلحاق الأذى الشديد بعدوه، فحرصت فى خطابها وتدابيرها على الأرض على تبديد هذا الشعور، وإزاحته تدريجياً من عالم الحقائق إلى مجال الأوهام والأكاذيب.
وأظهرت المقاومة قدرة كبيرة على تفريغ الخطة الإسرائيلية، القائمة على إرهاب الخصم وتعجيزه تحت قصف نيرانى كثيف ومدمّر، من فحواها، فالبيوت المدمرة، والسيارات المحروقة، تحولت إلى عبء على الجيش الإسرائيلى، والشهداء من المدنيين، خصوصاً الأطفال والنساء، أصبحوا عامل ضغط دولى على الجيش الإسرائيلى، والهجوم النظامى بعدد كبير من الضباط والجنود والدبابات والمجنزرات، سهّل مهمة المقاومين فى اصطياد عدد كبير من الأفراد والمعدات.
وتستخدم المقاومة الأرض جيداً فى النيل من معنويات الجيش الإسرائيلى، إذ تحرص على إطلاق صواريخ على غلاف غزة ومستوطنات ومدن إسرائيلية فى اتجاهات متعدّدة، من مربعات سكنية دكتها الطائرات الإسرائيلية تماماً، ثم أعلنت سيطرتها عليها، وإنهاء خطرها بشكل تام.
كان من الطبيعى أن تهبط الروح المعنوية لجيش اعتاد حروباً سهلة، بعد أن واجه حرباً غاية فى الصعوبة على أرض قطاع غزة، لم يمر بها فى تاريخه، إذ وجد أمامه مقاتلين أشداء، وجغرافيا لا تعمل لصالحه، ومعادلة لم يألفها من قبل، كانت تجعله ممسكاً بزمام الأمور يعرف متى يبدأ الحرب؟ ومتى ينهيها؟ ومتى يعلن النصر؟
إن الروح المعنوية للمقاومة هى العامل الأهم فى ترميم الهوة بين المقاومة والجيش الإسرائيلى فى العدد والعدة، وهى روح محمولة على نزعة جهادية، وإيمان بقضية وطنية، وثقة فى إمكانية هزيمة إسرائيل، وتوظيف علمى لطرائق الحرب النفسية، وتنفيذ مُبهر لأسلوب حرب العصابات، ومعها قدرة الشعب الغزاوى على الصمود واستعداده للتضحية.