فى الأغلب لا تسمح الظروف أن أتابع عملاً درامياً بشكل منتظم.. كنت قد استسلمت لتلك الحقيقة المؤلمة بعد سنوات من المحاولات الفاشلة لمشاهدة عمل ما بشكل يومى فى توقيت محدد ربما منذ سنوات طويلة. أذكر أن آخر عمل شاهدته فى موعد عرضه اليومى كان أحد أعمال الراحل أسامة أنور عكاشة!
حتى كان عصر منصات المشاهدة، التى أدين لها بالفضل الكبير فى أن أشاهد العديد من الأعمال التى أبهرتنى بمستواها، والتى أعتقد أنها أضافت وأثرت التاريخ الفنى والثقافى لهذا الوطن دون شك!
آخر هذه الأعمال كان مسلسل «عمر أفندى».. هذا المسلسل الدافئ الذى شدنى إليه اسمه الذى حمل تورية جميلة.. بالإضافة إلى حبكته العامة التى قرأت عنها على منصات التواصل.. كان من الصعب على من يعشق التاريخ مثلى أن يقاوم مشاهدة عمل يتحدث عن فرصة العودة إلى الماضى بأريحية.. بل والتنقل بينه وبين الحاضر دون خوف أن يعلق فى زمن مختلف دون أن يمتلك فرصة للعودة!
شاهدت المسلسل كله فى أيام قليلة.. والحقيقة أننى لم أشعر بانقضاء الوقت إلا بعد أن انتهى تقريباً.. فى المعتاد أشاهد الأعمال الدرامية التاريخية بعين مدققة لأبحث عن تفاصيل التاريخ بين مشاهدها.. وأقارن بين التواريخ لأربطها بأحداث تاريخية حدثت فى نفس التوقيت.. وربما لأشاهد مدى دقة صُناع العمل فى كل تفصيلة وكل مشهد.. فهذه الساعة التى يرتديها البطل تنتمى لهذا العصر حقاً.. بينما تعود السيارة التى تمر فى الطريق من خلفه لعصر يليه!
ولكن هذه المرة كان الأمر يختلف.. لم أحاول أن أبحث عن تفاصيل التاريخ فى هذا العمل بقدر ما استمتعت به.. لم أجد لدىّ الرغبة أن أبحث عن أخطاء الإخراج أو الحوار بين الأبطال بقدر ما تمكّن العمل من أن يجعلنى أغوص بداخله.. وأعيش مع أبطاله كل لحظة فى دفء ونعومة أضافا الكثير من السلام النفسى بداخلى!
العمل أقرب للفنتازيا التاريخية وليس تاريخياً بشكل كامل.. لم يحاول المؤلف أن يبذل جهداً كبيراً ليعرف سعر الذهب فى ذلك التوقيت أو حتى سعر الأراضى.. فقط كان الإطار العام هو ما يبحث عنه ليقدم لنا عملاً خفيفاً شديد الدفء!
من الذى لا يرغب فى أن يعود به الزمن إلى عصر يتم كل شىء فيه بهدوء ودون عجلة؟!.. من الذى لا يحب أن يتخيل نفسه فى هذا الزمن الجميل؟
قليلة هى تلك الأعمال التى تناولت أربعينات القرن الماضى دون أن تربطها بأحداث سياسية أو حتى اجتماعية حدثت فى هذا الزمن.. فقط يطلب منك صُناع العمل أن تترك حياتك المرهقة ومسئولياتك التى لا تنتهى.. لترحل معهم فى رحلة قصيرة ترتدى فيها طربوشاً أحمر.. ولا تتوقف عن الابتسام وأنت تعيش بين شخصيات هذا العصر وفى طرقاته شبه الخالية!
أحببت «عمر أفندى» العمل والبطل.. كما أحببت كل أبطال هذا العمل دون استثناء.. وتمنيت لو لم ينتهِ سريعاً كما فعل بعد خمس عشرة حلقة فقط.. وهو دليل على أن الخيوط الدرامية لم تفلت من يد المؤلف!
ربما لست خبيراً أو ناقداً فنياً لأتمكن من إبداء رأيى فى عمل درامى بكل تفاصيله.. ولكننى أحببت هذا العمل.. وحزنت حين انتهى، وهو دليل فى اعتقادى على نجاحه الكبير.. أو هكذا أعتقد!