لم تكن المرة الأولى التى يصادفنى فيها إعلان عن طلب أطباء بتخصصات مختلفة للعمل خارج البلاد.. فى الأغلب أتابع هذا النوع من الإعلانات دون شغف، فلم أتمكن ابداً من اتخاذ قرار السفر خارج البلاد للعمل حتى وأنا فى سن مبكرة.. الأمر يتطلب سعة نفسية معينة لتحمل قسوة الاغتراب لم تتوافر لدىّ أبداً..!اللافت هذه المرة فى الإعلان أن الجهة الطالبة لم تكن مستشفى من مستشفيات الخليج.. ولم تكن حتى هيئة أو جهة رسمية من شمال أفريقيا أو حتى من دول أوروبا كما أصبح منتشراً فى الفترة الأخيرة بعد انتشار كوفيد.
لقد كان الإعلان عن طلب أطباء لدولة الصومال!!الأمر أثار فضولى كثيراً.. هى المرة الأولى التى أكتشف فيها أن دولة أفريقية تطلب أطباء للعمل بها على غرار دول عديدة.. خاصة حين قرأت الامتيازات الممنوحة.. والتى توازى أو ربما تزيد على امتيازات بعض دول الخليج العربى التى يسافر إليها شباب الأطباء بشكل تقليدى ومنتظم..سكن عائلى مؤثث، راتب مناسب للغاية، تأمين صحى شامل.. بالإضافة إلى تذاكر طيران سنوية.. باختصار هو عقد عمل متكامل لا ينقصه شىء بالمرة، حتى إننى تعجبت من عدم انتشار هذا النوع من العقود بين شباب الأطباء.
لماذا لا يعرف الكثيرون أن هناك فرصة للسفر وبنفس امتيازات الخليج لدول عربية أخرى كدول القرن الأفريقى، أو حتى لدول أفريقية أخرى؟! الأسئلة السابقة مهّدت فى ذهنى لسؤال أرى أنه أكثر أهمية.. لماذا لا تبدأ وزارة الصحة فى بروتوكول تعاون بين الحكومة المصرية وحكومات الدول الأفريقية فى مجال الصحة وتبادل الخبرات؟!لماذا لا يصبح الأطباء المصريون - وهم من أمهر أطباء العالم وبالدليل - سفراء القوة الناعمة للدولة المصرية فى أفريقيا كما كانوا دوماً، وما زالوا، فى دول الخليج؟!
منذ أسابيع قليلة التقى السيد رئيس مجلس الوزراء برئيس الوزراء الصومالى.. وأكدت التصريحات التى صدرت عقب اللقاء من الطرفين عن عمق العلاقة والاستعداد للتعاون فى مجالات شتى.. فلماذا لا تكون الصحة أحد تلك المجالات؟!إن اتفاقية شبيهة بنظام «الإعارة» الذى انتشر فى ثمانينات القرن الماضى بين المدرسين فى مصر لدول الخليج كفيلة فى رأيى بتوفير احتياجات دول أفريقيا من الأطباء فى كل التخصصات.. وكفيلة برفع دخل الأطباء العاملين بوزارة الصحة فى مصر فى الوقت نفسه.. بالإضافة إلى قيمة انتشار الطبيب المصرى فى دول أفريقيا كلها والقوة الناعمة المصرية التى ستعزز مكانة الدولة المصرية دون شك..!أعتقد أن اتفاقيات للتعاون فى هذا المجال تحديداً لن تكون صعبة التنفيذ من قبل وزارة الصحة.. وستكون مقدَّرة للغاية من الجانب الآخر؛ فى ظل سعى الحكومات للتقارب لأسباب سياسية واقتصادية ومجتمعية متعددة.. فقط يصبح الأمر تحت إشراف حكومى منظم.. والكل فى النهاية يحصل على مبتغاه.. أو هكذا أعتقد..!