ما حدث فى أسوان هو التجسيد العملى والنموذج الحى للفرق المهول بين الأكاذيب التى يتم بثها عبر السوشيال ميديا، والواقع على الأرض.
الواقع على الأرض، وكما أخبرتنا الدولة المصرية على لسان وزيرى الصحة والإسكان ومحافظ أسوان فى المؤتمر الصحفى، هو أن مؤسسات الدولة تحرّكت فور رصد تردّد حالات مرضية بأعراض متصلة بالجهاز الهضمى على بعض مستشفيات أسوان.
تم الكشف عن مياه الشرب فى أكثر من ١٠٠ محطة وثبت أمانها، ثم تم الانتقال للوصلات الداخلية فى بعض القرى، والتى تبين وجود مشكلة فيها، لكن الأهم على الإطلاق هو العينات التى تم أخذها من المرضى، واتضح أن المسبّب للأعراض هو بكتيريا الـ«إى - كولاى».
هذا هو الواقع، لكن لعدة أيام سابقة، كان للسوشيال ميديا رأى آخر، فالبعض كان يؤكد بكل ما أوتى من قوة أن الكوليرا انتشرت فى أسوان، والبعض الآخر يجزم بحسم أن مياه الشرب ملوثة، وعلى أهل أسوان تجنّبها تماماً.
فى كل الأحوال، كان التأكيد الأهم أن الدولة تحجب القصة بأكملها وتفرض عليها سياجاً من السرية، كما أن المسئولين يتجاهلون الحديث عنها. وعلى ذكر المسئولين، رئيس الوزراء شخصياً هو أول من تحدّث عن الأمر عبر مؤتمر صحفى، وهو ما يجعلنا نتساءل عن مزاعم التجاهل أو التعتيم!
دراسة الأساليب التى تم استخدامها فى ترويج هذه الأكاذيب أمر شديد الأهمية لتعزيز المناعة المجتمعية ضدها، حيث كان الأسلوب الأهم هو تكثيف الروايات المنتحلة عبر وسائط وصفحات ومنصات مختلفة، سواء كانت روايات مصنوعة عمداً، أو حتى الترويج لشائعات محلية يصنعها الخوف والقلق من الحوادث المشابهة.
تكثيف الروايات على هذا النحو، مع دخول الإعلام المعادى على الخط، حقّق ما يُسمى بـ«أثر التكرار»، وهو ميل بعض الناس إلى تصديق خبر أو معلومة أو رواية، لمجرد أنها تكرّرت، بغض النظر عن مدى صحتها أو مصدرها.
هذا الأسلوب مُتبع من الإعلام المعادى ولجان التنظيم الإرهابى منذ سنوات، لكن لحسن الحظ تتمتع الدولة بمصداقية لدى المواطن المصرى العادى، وهذا هو السبب وراء خفوت الأكاذيب التى تصاعدت حدّتها خلال الأيام الأخيرة، بمجرد ظهور رئيس الوزراء ونائبه، وزير الصحة، للحديث بشفافية أمام المجتمع.
فى ظل حالة الاستهداف التى تحيط بالمجتمع المصرى منذ سنوات، فلن ينتهى نشر الأكاذيب الممنهج، لكن فضح الأساليب أمام الناس، يُعزّز المناعة ويُقلّل الأثر، وهو المطلوب.