نحتفل اليوم بذكرى انتصار مصر فى حرب أكتوبر 1973 العظيمة، تلك الحرب التى أعادت الكرامة قبل الأرض، ومنها نستخلص العبر والحكمة التى حولت الانكسار لانتصار عظيم ذكراه ستظل خالدة فى أذهان المصريين وحاضرة تُشعل الوجدان، وستظل مصدر فخر واعتزاز لكل المصريين.
نحن أبناء وأحفاد ذلك الجيل العظيم الذى قهر كل العقبات التى وضعتها الظروف لتحول دون تحقيق النصر على العدو أو حتى عدم خوض الحرب والرضا بالأمر الواقع.
شعب مصر رفض المؤامرة عليه وعلى جيشه، وقدّم كل الدعم المادى والمعنوى لجيشه ودفعه، بل وضغط عليه وعلى القيادة السياسية لحثه على سرعة دخول المعركة وتحرير الأرض المحتلة.
بعد ٦٧ كان رهان العدو استسلام المصريين وخضوع القيادة المصرية للهزيمة، وخرجت تصريحات قادة إسرائيل تحمل نبرة الصلف والغرور والاستعلاء والاستخفاف بقدرة المصريين على الحرب والقتال مرة أخرى، وواجهت مصر حرباً من نوع جديد وقتها وهى الشائعات التى تصيب المصريين بالإحباط وتشكك فى قدرتهم على خوض حرب أخرى.
وضعت مصر أولويتها فى إعادة بناء القوات المسلحة من تسليح وتدريب ورفع للكفاءة وشحذ للروح المعنوية، وقد سطر خلالها الشعب والمقاتل المصرى سطوراً مضيئة فى حب الوطن، فقد كان هناك التزام داخلى بالانضباط والالتزام بتحرير الأرض كأولوية لا تضاهيها أى أهداف أخرى، واصطف الجميع لمساندة قواته المسلحة ودعم المجهود الحربى بكل السبل، سواء بالجهد من خلال التطوع فى المستشفيات وعلى الجبهة أو بالمال؛ حيث تبرَّع المصريون بكل غالٍ وثمين دون كلل من أجل أن تعود القوات المسلحة قادرة على مواجهة العدوان وتحرير الأرض.
وفى أثناء الحرب لم يكن العدو يتوقع أن الجبهة الداخلية تصمد، بل لم يتخيل أن الفلاح لا يعبأ بالبارود، ولا الطبيب يقود سيارة الإسعاف لإنقاذ الجرحى، ولا المهندس يقود سيارة كسح المجارى، ولا المدرس يعطى الدورس للطلبة مجاناً، ولا الطالب الذى ذهب يتعلم قواعد الدفاع المدنى، ولا المرأة المصرية التى ذهبت تمرض الجرحى، ولا العروسة المصرية التى تبرعت بكل أثاث عش الزوجية للمجهود الحربى، ولا الفلاحة المصرية التى تمكنت من الحرث والرى بعدما استُدعى زوجها وأبناؤها للمعركة.
كل هذا لم يكن فى حسبان ولا حسابات العدو كما فعلت كل المقاييس الحربية عندما تجاهلت إرادة المقاتل المصرى الذى قهر العدو فى الميدان وسجّل البطولات الخارقة ليحقق معجزة النصر.
انتصار مصر فى حرب أكتوبر لم يكن انتصاراً عسكرياً أو سياسياً فقط؛ بل كان انتصاراً للإرادة فى مواجهة الانكسار؛ والقوة فى مواجهة الضعف؛ والتحدى فى مواجهة محاولات الخضوع من قبَل المتربصين، فعلى الرغم من استرداد الأرض من العدو الصهيونى، فإن مصر لا يزال يتربص بها الأعداء، ويكفى أن مصر البلد الوحيد القادر على الحفاظ على قوته رغم حدوده الملتهبة من كل الاتجاهات، وهذه ليست صدفة بالتأكيد.
موقعنا الجغرافى ومكانة مصر وضعت على عاتقها مسئولية استقرار المنطقة ورمانة ميزانها وأيضاً كتب على شعبها مواجهة الحروب والمؤامرات، وهذا لن يتحقق إلا من خلال الإجماع القومى على الأهداف القومية العليا، واستحضار حالة أكتوبر من تلاحم بين الشعب والجيش وقيادته السياسية. هذه الحالة التى أظهرت أصالة المصريين وعراقتهم؛ حيث انصهر الكل فى واحد، فسلاماً وتحية لكل الشعب المصرى ولكل شهداء مصر الأبرار، وتحية إعزاز وتقدير لرجال القوات المسلحة الذين ضحوا، ولا يزالون يضحون، بأرواحهم الطاهرة ودمائهم الزكية فداء لمصر وحفاظاً على أمن أراضيها واستقرار شعبها وسلامته.