عرفت الكابتن محمد أبوتريكة كلاعب كرة قدم موهوب ومُجتهد، وقد رأيته كأحد أفضل أبناء جيله فى هذا المضمار، وما زلت أذكر له جولات وصولات عديدة استطاع فيها أن يسعد قلوب مشجعى النادى الأهلى والمصريين الذين يهتمون بمتابعة مباريات المنتخب الوطنى ونتائجه.
ليس ذلك كل ما أعرفه عن مناقب هذا الرياضى وملامح شخصيته، لكننى أعرف أيضاً أنه كان لاعباً ملتزماً، وذا سوية مستقيمة، خلال فترة انتمائه للنادى الأهلى ومنتخب مصر، كما أنه معروف بمساندة زملائه من اللاعبين، والمبادرة فى أمور عديدة طيبة وخيّرة.ورغم أن مسيرة أبوتريكة الرياضية لم تكن أبداً فى نفس لمعان وبروز مسيرة النجم المصرى العالمى محمد صلاح، وأنه لم يُكلل، مع أبناء جيله، سعيهم وتميزهم، بالوصول إلى كأس العالم، وأنه لم يُختبر فى مقارعة لاعبين عالميين من المستوى الأول، لأنه لم يحترف فى أحد الدوريات العالمية الكبرى، فإنه لا يزال جديراً بالحصول على القدر الملائم من التقدير والاعتبار.
لكن لا يبدو أن أبوتريكة نفسه سعيد أو مكتفٍ بالحصول على هذا القدر العادل والملائم من التقدير والاعتبار لقاء ما قدمه لناديه والمنتخب الوطنى من جهد وموهبة، ساعدت فى حصد نتائج طيبة أحياناً، وأخفقت فى ذلك أحياناً أخرى.
وعوضاً عن ذلك، فيبدو أن صورته لدى نفسه تضخمت تضخماً مرضياً، ويبدو أيضاً أن تلك الصورة حظيت بمساهمات مدبرة وموارد لصناعتها وتضخيمها، إلى حد أنه صدقها، وبات أسيراً لها، ومُطالباً باستحقاقاتها.
فى شهر سبتمبر الماضى، كنت أتحدث فى إحدى جلسات منتدى الإعلام الرياضى بالقاهرة، حين قلت إن «الإعلام الرياضى مسألة أخطر من أن نتركها للرياضيين وحدهم»، وكان مقصدى من ذلك القول أن الإعلام مهنة معقدة، وتنطوى على معايير وقواعد عديدة، وأن تركها للاعبى الكرة السابقين وحدهم يمكن أن يؤدى إلى عواقب وخيمة.
لأن بعض هؤلاء لم يدرس الإعلام بطبيعة الحال، ولم يحصل على تدريب وتأهيل كافيين لممارسة مهنة صعبة وحافلة بالتفاصيل، ومع ذلك، فإنه يشعر بامتلاك أدواته كاملة؛ لأنه يحظى بالشهرة التى اكتسبها حين كان يجيد ركل الكرة فى الملاعب، وحين حظى بإعجاب بعض المشجعين ومساندتهم له.يأتى بعض اللاعبين القدامى إلى استوديوهات البرامج والتحليل وهم موقنون من نجوميتهم وشعبيتهم، وبعضهم يحصل كذلك على تأييد مسبق مفتوح من جمهور ناديه، فقط لأنه يداعب مشاعرهم ويلعب على عواطفهم تجاه ناديهم، ويمعن فى إظهار ولائه للنادى ولهم، فيبادلونه الاهتمام والولاء، ويتحولون إلى «ألتراس» يشجعه ويهاجم خصومه ويدافع عنه.
وبسبب هذه العلاقة المختلة تُرتكب الأخطاء الفادحة، ويُغرى بقواعد العمل الإعلامى، وتتحول الحصص الإعلامية إلى مساجلات ممجوجة، وتحفل بالألفاظ الحادة والمسيئة، والأخطر من ذلك أنها تعطى مجالاً لأشخاص غير مؤهلين لمخاطبة العموم للتحول إلى قادة فكر وأصحاب رأى ومُلهمين.فى تلك المسألة بالذات، يبدو أن النجم محمد أبوتريكة يقف فى المقدمة.
يعتقد أبوتريكة أنه قادر على تثقيف الناس، وتوعيتهم، وتربيتهم، ويرى أن ذلك واجبه ومهمته، وينتقد كل من يشكك فى أهليته تلك، أو يحاول أن يعيده إلى دوره المنطقى؛ أى محلل كرة قدم، انطلاقاً من خبراته السابقة كلاعب متميز.
ليس هذا ادعاءً بحق أبوتريكة، أو افتراضاً مبنياً على تحليل، بل هو ما قاله أبوتريكة نفسه، حين ظهر على القناة الفضائية التى يعمل بها كمحلل كرة قدم، وقال نصاً إن دوره ليس تحليل المباريات، أو الحديث عن طرق اللعب، ولكن دوره «تثقيف الناس، وتوعية الناس، وتربية الناس»، وحين سعى زميل له من لاعبى كرة القدم السابقين أن يتنصل من هذا الدور المُدعى الجديد، قال مسارعاً: «أنا أتحدث عن نفسى.. ومن لا يعجبه يغلق القناة، ويذهب إلى قناة أخرى».
فى إحدى جولات التحليل التى تصدى لها أبوتريكة سابقاً، كان فريق الأرسنال يلعب مع أحد فرق الدورى الإنجليزى، وكان متعثراً بعض الشىء، وكان أداؤه مرتبكاً، فما كان من أبوتريكة إلا أن قال إن «أداء أرسنال مثل أداء جامعة الدول العربية لا تهش ولا تنش»، ويبدو أن تلك الطريقة هى ما يعتقد أنه توعية وتثقيف.
يعمل أبوتريكة فى قناة فضائية معينة، تمثل وتخدم مشروعاً سياسياً محدداً، وهو يُمنح هذه المساحة الواسعة، والتقدير «المبالغ فيه» أيضاً، ليس لأنه يجيد التحليل الرياضى، أو حتى يجيد مهارات الحديث العمومى (من جانبى لا أعتقد أنه بارع فى الجانبين)، ولكن لأنه يمثل اتجاهاً سياسياً ترضى عنه تلك القناة، ويناصر فصيلاً معيناً تدعمه تلك القناة، ومع ذلك، فإنه يعتقد أنه يقول الحقائق بحرية مطلقة ومن دون توجيه.
يعرف أبوتريكة أنه يمكن أن «يثقف ويوعى ويربى الناس» فقط ضمن السياسة التحريرية التى تحكم القناة التى يعمل بها، وهى سياسة معلومة للجميع، ويعرف أيضاً أن تلك المساحة ممنوحة له لكى يخدم تلك السياسة، وإذا حدث تحت أى ظرف أن خرج عن الخط المرسوم له فى ذلك الصدد، فإنه سيعود مجرد لاعب كرة سابق، يوجد مثله العشرات، وبسوية الأداء والإنجاز الرياضى ذاته.
لكن أبوتريكة لا يريد أن يعى ذلك، وهو يقول على الهواء «إحنا بتوع كله.. توعية، وتثقيف، وتربية، واللى مش عاجبه يطفى»!