يترقب العالم صدور الكتاب الجديد لأسطورة الصحافة الأمريكية بوب ودورد، الصحفى المخضرم الذى خصص جانباً مهماً فى مسيرته المهنية لتتبع أثر رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، منذ أن فجر قضية «ووترجيت» الشهيرة، التى أطاحت بالرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون سنة 1974، لتتوالى بعده كتبه التى كشفت عن كواليس ما يدور فى بلاط الحكم فى بلاده، راصداً بشكل توثيقى احترافى ما دار فى البيت الأبيض، خاصة منذ عهد بوش الابن، مروراً بالرئيس أوباما، ثم الرئيس السابق دونالد ترامب، الذى خصص له عدة كتب مهمة عن تجربته الرئاسية المثيرة، والتى يستكمل كشف بعض أسراره فى كتابه الجديد «حرب» الذى يتناول فيه بشكل رئيسى حكم الرئيس الحالى جو بايدن.
وقد تعرفت مصادفة للمرة الأولى على اسم (بوب ودورد)، محرر التحقيقات بصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، من خلال كتاب للأستاذ محمد حسنين هيكل «الإمبراطورية الأمريكية.. والإغارة على العراق»، الذى تحدث عنه فى أحد فصوله ومنحه لقب «عميد صحافة التحقيق»، أو ما سمى لاحقاً «صحافة العمق»، وهى المدرسة التى أثبتت كفاءتها فى النفاذ إلى دخائل السياسة، والغوص فى خباياها، وتغطية أكبر مساحة من وقائعها وكشف أدق أسرارها، وقد وصفها «هيكل» بكلمات دالة وموجزة قائلاً: «هذه مدرسة صحفية تدرك أن النفاذ إلى العمق حق قارئ لا يعنيه ولا يرضيه أن تنحصر مهمة الصحافة فى مدح السلطان والإشادة بعظمته فيما فعل ولم يفعل، وتعرف -أيضاً- أن قارئها يستطيع النظر إلى سطح الحوادث من متابعه التليفزيون، فى حين أن الكلمة المكتوبة -حياتها وشبابها- أصبحت موصولة بقدرتها على النفاذ إلى عمق لا تستطيع الصور أن تبلغه، أى بقدرتها على الذهاب وراء السطح بكل ما يتزاحم فوقه من اجتماعات واستقبالات ومراسم واحتفالات وتصريحات وبيانات، وتلك كلها فى هذه الأزمنة وسائل تزويق وليست مناهج توثيق!».
وقد حصلت شبكة (CNN) على نسخة من الكتاب الذى سيصدر فى 15 أكتوبر الجارى، قبل أيام قليلة من انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو توقيت بالغ التأثير، خاصة مع ما تبرزه فصوله من قصص وأسرار تتعلق بالمتنافسين الرئيسيين فى هذه الانتخابات «ترامب وهاريس». وقد أفردت الشبكة الأمريكية عرضاً مطولاً للكتاب تناقلته عنها سائر وسائل الإعلام فى العالم، سلطت فيه الضوء على تقييمات الرئيس الأمريكى جو بايدن الصريحة والمليئة بالشتائم، وتفاعلاته مع قادة دول بارزين مثل بنيامين نتنياهو وفلاديمير بوتين، حيث تكرر كثيراً استخدام كلمتى «رجل لعين» بديلاً عن (كلمة خادشة بالإنجليزية تبدأ بحرف F)، وذلك بحسب (CNN).
ويكشف كتاب «حرب» أيضاً تفاصيل جديدة عن علاقة «ترامب وبوتين»، ومنها المحادثات الخاصة التى أجراها دونالد ترامب بعد خروجه من البيت الأبيض مع «بوتين»، وكذلك أشار الكتاب إلى شحنة سرية من معدات فحص فيروس «كوفيد 19» أرسلها «ترامب» إلى الرئيس الروسى لاستخدامه الشخصى خلال ذروة الجائحة.
ويستعرض الكتاب «روايات غير منمقة من داخل غرف صناع القرار خلال لحظات رئيسية تعامل فيها الرئيس الأمريكى وفريقه للأمن القومى مع الأزمات الدولية، منها الانسحاب الكارثى من أفغانستان، إلى مواجهة بوتين قبل غزوه لأوكرانيا، إلى المعارك الخاصة مع نتنياهو. استناداً إلى مئات الساعات من المقابلات مع المشاركين المباشرين، ويستكشف الكتاب الحروب السياسية والشخصية التى خاضها بايدن خلال رئاسته، بما فى ذلك تفاصيل حول قراره بالتنحى عن الترشح لانتخابات الرئاسة 2024 والمحادثات حول المشاكل القانونية لابنه هانتر بايدن».
ويظهر «حرب» مدى قلق «بايدن» وفريقه للأمن القومى بشأن احتمال استخدام «بوتين» للأسلحة النووية. فيما يصف «ودورد» العلاقة المتقلبة بين «بايدن ونتنياهو»؛ ففى حين دعم «بايدن» إسرائيل علناً، فقد اصطدم بـ«نتنياهو» خلف الكواليس بسبب الطريقة التى تدير بها إسرائيل الحرب فى غزة.
ويكشف الكتاب أن «بايدن» قد سأل «نتنياهو»، خلال مكالمة هاتفية فى أبريل: «ما هى استراتيجيتك يا رجل؟»، فقال «نتنياهو»: «علينا أن ندخل إلى رفح»، ليرد «بايدن» عليه قائلاً: «بيبى، ليس لديك أى استراتيجية».
فيما يوضح «حرب» عمق علاقة «بايدن» و«هاريس»، وكيف أن «بايدن» عندما انسحب من سباق الانتخابات الرئاسية فى 21 يوليو الماضى، أيد «هاريس» على الفور، مما سمح لها بتعزيز الدعم الديمقراطى وتجنب الاقتتال الداخلى الفوضوى فى الحزب.
ويذكر «ودورد» فى كتابه «حرب»: «كان مساعد بايدن صريحاً مع نائب الرئيس، حيث قال المساعد: «إن أحد أكبر الأسباب التى تجعل بايدن يتصل بى هو أننى أقدم له مستوى من الراحة إلى الحد الذى يجعله قادراً على الشتم بحرية». فضحكت نائب الرئيس هاريس وقالت: «ربما يكون هذا هو السبب الوحيد الذى يجعله لا يزال مرتاحاً معى إلى حد ما، لأنه يعلم أننى الشخص الوحيد الموجود الذى يعرف كيفية نطق كلمة (ابن الزانية) بشكل صحيح».
وكان بوب ودورد قد خص الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب خلال السنوات الأخيرة بأربعة كتب متنوعة ترصد تجربته التى استنفرت حواس الصحفى الكبير ليرصد المخفى والمعلن فيها، استطلع فى أولها آراء شبكة الموظفين العاملين معه فى البيت الأبيض، ثم قام بإجراء حوارات مباشرة مع «ترامب» نفسه، كشفت له جوهر شخصية «ترامب» العبثية، والتى اختصرها «ودورد» فى كلمات قصيرة، قائلاً: «تركيزه على ذاته وإعجابه بها يشل حركته.. إنه خطر لا مثيل له.. يعتمد على غرائزه كأساس للقرارات الكبرى».
وكان كتاب «بوب» الأول عن الرئيس السابق والمرشح الرئاسى الحالى بعنوان: «الخوف: ترامب فى البيت الأبيض»، وقد صدر سنة 2018، وباع أكثر من 1.1 مليون نسخة فى الأسبوع الأول من نشره، ثم أجرى «ودورد» عدة مقابلات مع «ترامب» من أجل كتابه الثانى «الغضب»، وتم طرحه فى المكتبات فى سبتمبر 2020. ثم أصدر «ودورد» كتابه الثالث «أشرطة ترامب»، وهو كتاب صوتى يضم 8 ساعات من التسجيلات الخام للمقابلات مع «ترامب» يتخللها تعليق المؤلف، وعرض الكتاب الصوتى للبيع فى أكتوبر 2022.
أما الكتاب الرابع، فهو «الخطر» والذى تشارك فيه بوب ودورد مع الصحفى روبرت كوستا، مراسل صحيفة «واشنطن بوست»، ويستند إلى مقابلات مع أكثر من 200 شخص تحدثوا للمؤلفين شريطة عدم ذكر أسمائهم، ويرصد الكتاب القلق الكبير الذى اجتاح الأوساط السياسية الأمريكية من تصرفات «ترامب» عقب خسارته للانتخابات، ويحكى غرائب وطرائف عديدة جرت خلال الفترة الأخيرة لحكم «ترامب»، وكان «بوب» قد ختم كتابه «الغضب» بهذه الجملة الموحية: «عندما يتم أخذ أدائه كرئيس فى مجمله، يمكننى فقط التوصل إلى نتيجة واحدة: ترامب هو الرجل الخطأ لهذا المنصب».