كانت الرسائل المصرية حاسمة خلال افتتاح الأكاديمية العسكرية، وخلال اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بالجيش الثانى الميدانى، رسائل بعلم الوصول للأطراف المعنية، تقول إن مصر تمتلك القوة والقدرة على التعامل مع أى تحدٍ يمس أمنها القومى.
فى الوقت نفسه، كان الرئيس السيسى يزور إريتريا، ليدشن تحالفاً ثلاثياً جديداً يشمل الصومال إلى جانب مصر وإريتريا، وضمن أهم الأهداف الواضحة والمعلنة لهذا التحالف، حماية أمن ووحدة الصومال الشقيق.
ضع هذه الرسائل فى سياق واحد، لن تخطئ عين أنه سياق القوة والقدرة التى تمتلكها مصر، قوة سياسية ودبلوماسية واجتماعية، وطبعاً عسكرية، هذه المنظومة من القوة والتماسك المجتمعى داخل مصر تمثل معطيات قد تدفع القيادة لمغامرات غير محسوبة، خصوصاً لو أنها ستحظى بدعم شعبى فى الملفات المشتعلة جميعاً.
هذا هو قانون القوة، لكن على الجانب الآخر، اختارت مصر ولا تزال، حكمة القوة لكى تكون إطاراً ناظماً لتصرفاتها، ورغم أنه مسار يتطلب مجهوداً أكبر إلا أنه كان ولا يزال الاختيار الوحيد للسياسة المصرية.تقضى حكمة القوة ببذل كل الجهود الممكنة لاستنفاد الوسائل السياسية والدبلوماسية السلمية، للتعامل مع التحديات المختلفة، مع وضع خطوط حمراء واضحة لكل الأطراف لا يمكن تجاوزها خلال مرحلة التفاوض والمناقشات والسجالات السياسية المذكورة سابقاً.
ماذا حصدت مصر من تلك السياسة على مدار ١٠ سنوات؟الواقع يخبرنا أن مصر استطاعت تجاوز مشاكل هائلة وضخمة اشتعلت بعد ثورة يونيو ٢٠١٣، حتى أكثر الدول التى تعاظمت الأزمات بينها وبين مصر، مارست القاهرة معها صبراً استراتيجياً محصناً بخطوط حمراء، وظل الوضع هكذا حتى تمت تصفية الأزمات.
لا تزال هناك ملفات عالقة من الماضى بلا شك، أبرزها السد الإثيوبى، وهو ملف تنطبق عليه نفس السياسة أيضاً، لكن المحصلة العامة أن النهج المصرى أتى بثماره عبر كل المؤشرات والشواهد التى تؤكد ذلك.
وفوق كل ما سبق، يبرز أهم مكسب على الإطلاق، مصر لم تطلق رصاصة ولم تعلن حرباً، ولا يزال جيشها محفوظاً غير مستنزف فى معارك كان يمكن أن نتورط فيها لو أن القيادة اختارت مساراً آخر غير الذى سلكته.
هذا ردع فوق الردع، وقوة تُضاف إلى القوة، فإلى جانبنا دول تورطت فى صراعات أنهكتها، ومهما كان الدعم الذى تحصل عليه فهى مستهلَكة لا محالة، ومع تعدد الجبهات يزداد الاستنزاف، وتتعاظم المخاطر التى يمكن أن تحيط بهذه الدول فى المستقبل.
حينما نتحدث عن السياسة المصرية ونكرر تعديد مميزاتها، فهذه ليست شيفونية أو خطاباً للاستهلاك المحلى، بل هو توثيق تاريخى واجب لحكمة قصوى، فى زمن الفوضى والبلطجة والاستعلاء بالقوة، توثيق سنتركه للأبناء والأحفاد شاهداً على الماضى، ملهماً لحاضرهم.