مع اتجاه المنطقة إلى هاوية صراع إقليمى بدأ بالفعل ولا يستطيع أحد معرفة نهايته أو حتى بداية مرحلة النهاية، فالبداية من غزة، وبعدها انفرط عقد الصراع وشمل لبنان واليمن والعراق وسوريا وإيران، وهذا الصراع مرشح للتوسع بعد استنفاد العديد من فرص وقف دائرة العنف وعدم سماع أصوات الحكمة التى دائماً ما رددتها مصر منذ 20 نوفمبر 1977، حيث كان خطاب الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى الكنيست الإسرائيلى، حيث قال لهم فى بيتهم إن السلام لن يكون اسماً على مسمّى، ما لم يكن قائماً على العدالة، وليس على احتلال أرض الغير، ولا يَسُوغ أن تطلبوا لأنفسكم ما تنكرونه على غيركم.
وحذرهم الرئيس السادات: «أقول لكم، إن عليكم أن تتخلوا، نهائياً، عن أحلام الغزو، وأن تتخلوا، أيضاً، عن الاعتقاد بأن القوة هى خير وسيلة للتعامل مع العرب. إنَّ عليكم أن تستوعبوا جيداً دروس المواجهة بيننا وبينكم، فلن يجديكم التوسع شيئاً. ولكى نتكلم بوضوح، فإن أرضنا لا تقبل المساومة، وليست عُرضة للجدل. إنَّ التراب الوطنى والقومى يُعتبر لدينا فى منزلة الوادى المقدس طُوى، الذى كلَّم فيه الله موسى عليه السلام. ولا يملك أى منّا، ولا يقبل أن يتنازل عن شبر واحد منه، أو أن يقبل مبدأ الجدل والمساومة عليه». ودائماً ما يؤكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى والتى كان آخرها فى الندوة التثقيفية بمناسبة ذكرى نصر حرب أكتوبر الـ٥١ والتى أكد فيها أن «مساعى مصر الدائمة للحفاظ على الأمن والاستقرار فى المنطقة تنبع من موقع القدرة والقوة، والقناعة بأن السلام العادل والشامل يجب أن يراعى حقوق الشعب الفلسطينى وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، والتخلى عن أوهام التوسع وسياسات العداء، لضمان التعايش السلمى بين شعوب المنطقة، وتجنيب الأجيال القادمة ويلات الصراع».
والواضح أن إسرائيل لم ولن تستوعب الدرس، حيث تستمر فى التصعيد العسكرى ليشمل كل يوم طرفاً أو منطقة جديدة تدفع بذلك لصراع إقليمى شامل قد تكون سيناريوهاته معدة مسبقاً لتغيير جغرافيا المنطقة، بل وخلق موازين قوى جديدة فى الشرق الأوسط فى بيئة تساعد دولة الكيان على فعل ما تشاء وقتما وكيفما تشاء فى ظل وهن وازدواج معايير من القوى الدولية الفاعلة لتصل المنطقة إلى مستوى لم تصل إليه من قبل من الفوضى والدمار، وعلت فيها أصوات البنادق والصواريخ، وتتسع كل ساعة الهوة بين مختلف الأطراف ولا يلوح فى الأفق أى آمال للسلام.
وبقيت مصر محمية بوحدة وتلاحم شعبها وقوة وقدرة جيشها وحكمة قيادتها رقماً صحيحاً فى هذه المعادلة غير العادلة وغير الإنسانية، حيث تدير برشد وحكمة الصراع، وتتدخل فى كل وقت للتهدئة ومدافعة عن الشعب الفلسطينى، ووظفت القاهرة كل حيويتها ونشاطها لخدمة قضيتها الأولى وهى القضية الفلسطينية.
لم تكن مصر لتصل لما وصلت إليه لولا بناء مؤسستها وثبات سياستها نحو امتلاك القوة والقدرة بوحدة شعبها وقوة جيشها، وكما قال الرئيس أن هذا الشعب يبذل الغالى والنفيس لحماية أمنه وسلامة أرضه ضد أى تهديد أو اعتداء، وأن القوات المسلحة هى الدرع الحصين الذى يحمى مقدرات هذا الوطن، مدعومة بوحدة شعبها وصلابته وإرادته. وتبقى الدولة المصرية مرفوعة رايتها عالية قامتها، ففى ظل إدارة أزمة حدودها الشرقية لم تغفل باقى الاتجاهات الاستراتيجية، آخذة بعين الاعتبار تداخلات المصالح الدولية المعقدة، معلنة جاهزيتها لكافة السيناريوهات المحتملة فى إقليم يسير بسرعة الصاروخ نحو الهاوية.