تقريباً لم يخلُ حديث للسيد الرئيس فى أى لقاء أو احتفالية خلال السنوات الماضية دون أن يذكر كم الصعوبات التى تواجه الدولة بسبب عدم وجود قاعدة بيانات كاملة للمواطنين بها.. ربما ما زال البعض يتذكر ذلك الحديث الذى ذكر فيه الرئيس أن هناك بطاقة تموينية باسمه هو شخصياً فى محافظة المنيا يتم الصرف لها بانتظام دون أن يعرف عنها شيئاً.. الأمر الذى يعبّر بشكل حقيقى عما يعانيه هو وجهازه الإدارى بالكامل بسبب غياب البيانات.. بل وغياب الترابط بينها حال وُجدت.
الأمر ليس اختراعاً مصرياً.. ولا يمكن اعتباره رفاهية بأى حال من الأحوال.. فإذا كنا نبحث عن دولة حديثة قوية.. فوجود قواعد للبيانات أصبح ركناً أساسياً بها دون شك.. وركيزة أساسية لكل الأنظمة التنفيذية فى كل مكان بالعالم.
والقطاع الصحى لا يختلف الحال به عن باقى القطاعات.. فوجود قاعدة بيانات صحية هو ركن أساسى ينبغى توافره لأى نظام سياسى يبحث عن تطوير للرعاية الطبية أو يتبنّى مشروعاً قومياً للصحة، مثل مشروع التأمين الصحى الشامل الذى يتم تنفيذه الآن.. فلا يمكن تقديم خدمة طبية متكاملة دون أن تتوافر معلومات كافية عن هؤلاء الذين سيستفيدون بتلك الخدمة وحالتهم الصحية بشكل محدّث ومدى احتياجهم إلى خدمات بعينها دون غيرها.
المشكلة أننا حتى الآن نعانى من عزلة كاملة بين كل الهيئات التى تقدّم الخدمة الصحية على أرض هذا الوطن.. فوزارة الصحة تعمل بشكل منفرد، بعيداً عن القطاع الجامعى والأهلى، بل والقطاع الخاص أيضاً.. لا معلومات مشتركة، ولا أى درجة من درجات التنسيق فى تقديم الخدمات، اللهم إلا بعض التعاون فى حالات الطوارئ وحدها فى الأقاليم التى تعانى الوزارة من عجز بها.. وهو أمر، بالإضافة إلى تأثيره السلبى على أى دراسة مستقبلية للقطاع الصحى كله، يُعد إهداراً للجهد والمال معاً.
الطريف أننا نمتلك نواة جيدة للغاية لتكوين قاعدة بيانات صحية يمكن البناء عليها وتحديثها بشكل منتظم حال توافر الإرادة لذلك.. فالمبادرات الصحية التى تُعرف باسم «١٠٠ مليون صحة» استهدفت ملايين المواطنين خلال الأعوام الماضية.. وأصبحت وزارة الصحة تمتلك معلومات ليست بالقليلة عن الحالة الصحية للمواطنين.. بل وانتشار بعض الأمراض غير السارية وتوزيعها الجغرافى.. ولكنها لسبب ما ترفض استكمال تلك المعلومات بما تمتلكه القطاعات الأخرى لتبدو الصورة لديها أكثر وضوحاً.
الأمر ليس عسيراً للدرجة التى يبدو عليها أو للدرجة التى تجعله غير قابل للتنفيذ.. يكفى أن تعلن الوزارة عن موقع لتسجيل البيانات الخاصة بالمرضى.. وتلزم الهيئات والمستشفيات الجامعية والخاصة والأهلية بأن تُسجل كل ما تقدمه من خدمات صحية لمرضاها على هذا الموقع.. لتحصل الدولة، ممثلة فى وزارة الصحة، على قاعدة بيانات واسعة لكل متلقٍّ للخدمة الصحية على أرض الوطن.
لقد أثبتت الأزمات المتتالية مدى احتياج الدول لأنظمة صحية قوية ومتماسكة.. ومدى أهمية وجود قاعدة بيانات محدّثة باستمرار للمرضى والخدمات الصحية المقدّمة لهم، لذا فإن تبنى مشروع بهذا الشكل، وفى هذه الأيام تحديداً ربما يكون ضرورياً لصالح القطاع الصحى.. بل للوطن بأكمله.. أو هكذا أعتقد.