ضحايا إرهاب سيناء: جندى شهيد.. وسيناوى فقد بيته
بين الحزن والحداد تراوحت ردود الفعل على الحادث الإرهابى، حزن الأهالى الذين أضيروا فى التفجيرات وخسروا بيوتهم دون تعويضات عنها، وحداد بحث عنه المواطنون فى وسائل الإعلام أسوة بما حدث فى أعقاب اغتيال المستشار هشام بركات، واضطروا إلى اتباعه فى بيوتهم بإغلاق التليفزيونات ومتابعة النشرات الإخبارية تضامناً مع الجيش فى حربه، وسط سخط شباب مواقع التواصل الاجتماعى، من تجاهل تعويض المضارين، ومن تجاهل فرض حالة الحداد.
المفارقة الواضحة بين حالة الحداد التى أعقبت استشهاد المستشار هشام بركات، وعدم ظهور أى مظاهر حداد فى أعقاب حادث الشيخ زويد، دفعت النشطاء لإطلاق هاشتاج «فين الحداد» أعربوا خلاله عن دهشتهم مما سموه «الطبقية» فى التعامل مع الضحايا وتحول المسألة إلى «كيف».
«هوّ يعنى عشان اللى ماتوا عساكر غلابة مش النائب العام؟»، تساءل ساهر، أما داليا فوجهت سؤالها للرئاسة ومجلس الوزراء: «فين الحداد؟ ده حتى مفيش شريطة سودة»، حالة من الغضب امتدت للمواطنين العاديين ومنهم منى الجمال، ربة المنزل التى شعرت بغصة شديدة على الإفطار: «الواحد لا له نفس يفطر ولا يتفرج على تليفزيون، نفسيتنا سيئة جداً، وتعبت أكتر لما شفت التفرقة».
لم تعد منى تفهم ضوابط الحداد فى مصر، تابعت ردود فعل معارفها ممن ربطوا حالة الحداد بحجم الشخصية لكنها تذكرت أيضاً: «سفير مصر فى العراق اللى اتدبح، ما هو شخصية كبيرة هو كمان، محدش أعلن عليه حداد، الموضوع مش كبير وصغير»، لكنها ظلت أيضاً غير مستوعبة للطريقة التى تتعامل بها الدولة والإعلام مع المسألة.
د. سامى الشريف، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، فرّق بين حداد الدولة وحداد الإعلام: «الأول له ضوابط بروتوكولية على شخصيات معينة ولفترة معينة وبشكل معين، أما الحداد الذى تعلنه وسائل الإعلام فهو مثار الجدل الحقيقى»، يؤكد رئيس مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون سابقاً أن المسئولية التى يُحمّلها الكثيرون لـ«ماسبيرو» فى أعقاب كل حادث لا تقع على عاتقه: «الناس تنتظر من التليفزيون الرسمى أن يعلن الحداد، لكن المسألة ليست بيديهم، فالقرار فى هذه الحالة فى يد مجلس الوزراء، وليس القائمين على ماسبيرو»، فيما دافع «عصام الأمير»، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، عن موقفه بمنطق: «من غير الطبيعى إعلان حالة الحداد فى التليفزيون بعد مقتل جنودنا فى سيناء، احنا فى حالة حرب، ومن الطبيعى أن نخسر جنوداً»، «عصام» قارن بين حادث الشيخ زويد واغتيال النائب العام المستشار هشام بركات قبل أيام: «ده راجل مدنى مات فى ظروف استثنائية، ولا بد من الحداد عليه فى كل وسائل الإعلام».. ورغم هذا أكد «الأمير» التزامه أيضاً بعدم عرض كل المسلسلات الدرامية على التليفزيون المصرى وقنوات النيل، ويضيف: «ألغينا معظم الأعمال الدرامية والبرامج التليفزيونية، وأضفنا فترة إخبارية جديدة لمتابعة بيانات القوات المسلحة والأخبار بدقة».
الحداد الذى لم يعرف طريقه إلى الشاشات لم يمنع الحزن الذى احتل نفوسهم والخوف الذى يزلزلها كلما سمعوا مكبرات المساجد تدعوهم لملازمة المنازل القريبة من الكمائن المستهدَفة من قبَل الجماعات الإرهابية المسلحة، وأزيز الطائرات ودوىّ الانفجارات التى تخترق آذانهم تفزعهم وتزرع داخلهم الحرص على الهروب قبل فوات الأوان، وقتها أدرك سكان الشيخ زويد قرب الخطر، بعد أن زلزلت الأرض من حولهم، سبقتهم الخطوات خارج المنازل التى باتت ركاماً على الأرض أمام أعينهم، يتطلعون إليها كالمغشى عليه من الموت.
«طيب اللى هجروا بيوتهم أخدوا تعويض، إحنا هنعيش فين؟!»، يردد «سيد جابر» الذى ظل يشاهد حطام منزله، بعد أن دُك بما يحوى من أثاث، بحسب الرجل الخمسينى: «خسائر آلاف الجنيهات، ربنا نجانا من الموت، لكن البيوت مين هيعوضنا عنها؟!».
تنفض عن رأسها غبار الحطام الذى علق لتوّه بملابسها، تبحث عن صغيرتها فى كل مكان، «كانت هنا.. راحت فين؟!»، الأم «نادية عبدالغفار» استيقظت من نومها على صوت انفجار مدوٍّ قريب من منزلها، لم يصل إليها أى شك ألا تكون عملية إرهابية كما اعتادت وأسرتها، لكن الصوت يقترب حد زلزلة بيتها، بسرعة جذبت أبناءها وزوجها من داخل المنزل، خرجت تتابع القصف من بعيد وهى تبكى وتصرخ وتردد: «يا رب نجينا والطف بينا».
تتذكر «نادية» حديث السيدات اللواتى هجرن منازلهن قبل شهور، كيف تبدلت أحوالهن، وأضحين برفقة أسرهن فى العراء: «مالهمش أى سكن، بعض الأسر راحت تقيم فى خيم عند الكيلو 17 وبعض الأسر تركو البلد ومشيوا من سيناء»، تتمسك السيدة الخمسينية بأرضها، تعتبرها أهم ما تبقى لها فى الدنيا، لكنها ما زالت تفكر كيف تواجه مستقبلاً جديداً: «قربنا من المعسكرات جعلنا أهدافاً سهلة للإرهابيين».. «نادية» وجدت أن التعويض المالى غير كاف بالمرة لتجاهل الخراب الذى لحق بها، مناشدة المسئولين تشكيل لجنة لحصر خسائرهم وتعويضهم عنها، وإنقاذهم من التشرد فى ظل الإرهاب القائم على أرضهم، بحسب «نادية»: «بيوتنا ماتتعوضش بأى تمن، لكن محتاجين طبعاً سكن بديل عشان نقدر نكمل ونعيش».