تصريحات تحدّث خلالها الرئيس السيسى عن ضرورة مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولى، تتحول فجأة إلى تحليلات تُصورها كتراجع من الدولة عن الخطوات «الخاطئة» التى اتخذتها فى الفترة الماضية، وعلى رأسها ترشيد الدعم!
المشكلة الكبرى أن بعض من روّج لهذه التحليلات يقدّم نفسه كمثقف يخاطب المجتمع، وهنا الطامة الكبرى، فهو من جانب يهاجم الإصلاح الاقتصادى والإجراءات السليمة من الناحية الاقتصادية، ومن جانب آخر لم يفهم ما قاله الرئيس، وتلقى رسالة شديدة السطحية، عبر كلام شديد العمق والخطورة.
حين تضع ما قاله الرئيس السيسي إلى جانب تصريحات رئيس الوزراء قبل نحو أسبوعين عن «اقتصاد الحرب» تستطيع أن تكتشف بسهولة أن تقديرات الدولة المصرية متشائمة جداً فى ما يتعلق بمستقبل الصراع فى المنطقة، وتداعياته الخطيرة على الاقتصاد العالمي.
الرئيس تحدّث عن فقدان مصر نحو 6 مليارات دولار بسبب الصراع، وكان يقصد قناة السويس، وتحدّث عن ركود اقتصادي محتمَل على مستوى العالم كنتيجة لما يجرى، وفى هذا السياق، أشار إلى مراجعة الموقف مع الصندوق لكى يتم تنفيذ برنامج الإصلاح الذى صاغته مصر وتُنفّذه بإرادتها الوطنية التامة، بما لا يضر اجتماعياً بالمصريين، ومرة أخرى، هذا الأمر فى ضوء المعطيات التي سردها الرئيس، والتي تتوقعها مصر.
إذن، الأمر لا يتعلق بالبرنامج بالمعطيات الحالية، والذى يمثل ضغطاً اقتصادياً على المصريين بلا شك، ولكنه ضغط فى المستويات التي يمكن التعامل معها فى سبيل هدف أسمى وأهم، وهو حماية الاقتصاد القومي من مخاطر الانزلاق لتداعيات أخطر حال تأخر الإصلاح.
لكن هذه المعطيات إذا تطورت إلى مساحات أخطر وأسوأ، بسبب الظروف الإقليمية والدولية، فهنا يصبح تطبيق البرنامج بنفس الأسلوب تجمّداً غير محمود العواقب.
هذه الرسالة التي توصلها مصر إلى الصندوق والأطراف المعنية، أعمق كثيراً ممن حاولوا استخدامها كدليل على صحة ما تغنّوا به هجوماً على برنامج الإصلاح الاقتصادي، والذى كان هجوماً يفتقر فى أغلبه إلى أدنى المعايير العلمية الاقتصادية.
الأهم أنها رسالة تحذير من رئيس مصر إلى كل من يهمه الأمر، عن خطورة الصراعات الحالية وتداعياتها الاقتصادية على العالم كله، فالركود سيُؤثر علينا بلا شك، لكنه أيضاً سيطال الجميع، حتى الدول الكبرى.