عرفتُ صلاح أبوسيف قبل أن أقرأ مذكراته التى كتبها بحرفية عالية الزميل عادل حمودة، وقدَّمها أيضاً بنفس الحرفية الناقد السينمائى طارق الشناوى. وقد عرفتُ صلاح أبوسيف فى حياته، وكانت بينى وبينه تجربة تعاون، فضلاً عن أننى سمعتُ عنه الكثير من الحكايات التى حكاها لنا نجيب محفوظ عندما كنا نجلس معه فى مقهى ريش.
يُقدِّم الكتاب زميلنا طارق الشناوى. ويكتب فى مقدمته عن رحلته مع روزاليوسف، ويعترف أن عادل حمودة هو أول وأصغر أساتذته، وأنه كان صحفياً مهماً فى المجلة عندما انتمى إليها طارق. ويعترف أن علاقته بصلاح أبوسيف توطدت وقت أن كانوا يلتقون فى مهرجانات سينمائية عالمية، مثل موسكو وتطوان وباريس ودمشق.
ويكتُب عن تجربته مع عادل حمودة أنه كان فى تعامله مع الصحافة يُدرك أين الخط الأحمر ويقترب بأستاذية منه ولا يتخطاه، فقط يصل إلى آخر المتاح، حتى يضمن أنه سيصدُر العدد التالى. وكان عادل يُدرك أن الفن والثقافة هما أقوى الأسلحة الضاربة فى المجلة، وأن دار روزاليوسف منذ نشأتها عام 1925 وهى تلعب بورقة الفن والثقافة كوجهٍ آخر للسياسة.
ولأن طارق الشناوى يكتُب كلمته تحت عنوان «الأستاذ والأستاذ»، فهو يقصد الأستاذ صلاح أبوسيف والأستاذ عادل حمودة. ويعترف عادل أنه سجَّل مذكرات صلاح أبوسيف على كاسيت وقام بصياغتها فى بداية تسعينات القرن الماضى، وهو تاريخ لا بد أن يتذكره قارئ المذكرات حتى يستوعب الأحداث التاريخية الماضية.
ولكن قبل أن ينتهى عادل حمودة من تسجيلاته مع المخرج الكبير تعرَّض لمرضه الأخير، وهو المرض الذى لم يمهله لمواصلة التسجيل. ولأن الأحداث قديمة فقد حرِصَ المؤلف على أن يقرأ صلاح أبوسيف ما كتبه على لسانه رغم أن المذكرات فُقِدت من صاحبها فترة من الوقت.
وصلاح أبوسيف اسمه بالكامل: صلاح الدين أبوسيف مسعود فهمى. ويقول عنه المؤلف إنه يلمس الأرض دون أن ينسى حقه فى التطلع للسماء. يعرف طول قامته الفنية ويصر على الإضافة إليها، وأنه المخرج الوحيد الذى كان يحضر عروض أفلام مهرجانات السينما التى تقام فى القاهرة والإسكندرية. هو إنسان مُنظَّم، يضع مواعيده فى المفكرة التى لا تفارقه.
وكتاب عادل حمودة ملىء بالأسرار التى نشرها لأول مرة. ورغم معرفتى القديمة بصلاح أبوسيف، إلا أننى كنتُ أتعرَّف على أشياء جديدة فيه خلال قراءة الكتاب المهم. وقد دُهشت من معرفتى أن المخرج الكبير كان يكتب مقالات نقدية عن أفلامٍ لم يخرجها، وإنما صنعها غيره، وأنه دخل السينما من باب الصحافة، وعرف سطوة المطبعة قبل أن يعرف سطوة الكاميرا.
وربما كان ذلك هو سر تعامله بحذر مع حاشية صاحبة الجلالة، لأنه كان فى سالف العصر والأوان فرداً فى بلاطها. كان المخرج الكبير يذهب إلى مقهى لاباس -المغلق الآن- وكان يزوره ظهراً، وكان يجلس حوله من أهل الفن عادل إمام، وأحمد زكى، وعلى سالم، ورسَّام الكاريكاتير رؤوف عياد، والناشر المثقف أمين المهدى. وكان من مبادئ عمره ليس مهماً أن يبدأ الإنسان، المهم أن يستمر، فما يأتى بسهولة يذهب بسهولة أيضاً.
ويكتُب المؤلف أن صلاح أبوسيف كان صريحاً بسيطاً، يتحدث إلى نفسه بصوت مرتفع. وما كان يقوله كان أقرب إلى المونولوج وليس الحوار، أقرب إلى الاعتراف لا إلى المناقشة، لذلك هو الذى يتحدث طوال هذه المذكرات، أما عادل حمودة فيكتُب بتواضع: أما أنا فما على الرسول إلا البلاغ.
يقول صلاح أبوسيف عن نفسه:
لقد عشت حياتى بلا أب. لم أعرف حنانه رغم أنه كان على قيد الحياة، ولم أذُق طعم رعايته مع أنه كان ثرياً، ولم أشعر بحمايته مع أنه كان قوياً. وأقامت أمى أكثر من دعوى قضائية للحصول على نفقة وكسبتها، ولكن لا أحد استطاع تنفيذ الأحكام، لأن الزوج والأب والعُمدة المستبد كان الخصم والحكم، القاضى والجلاد، بل إن لا أحد يمكنه دخول القرية دون أن يستأذنه. وهكذا كانت الأحوال فى ذلك الزمان البعيد.
لقد بحثتُ طويلاً عن كتاب عادل حمودة عن أحمد زكى، ولم أجده. فهل نفدت طبعته الأولى بمجرد نزولها الأسواق؟!