أطروحة ساذجة قدمها بعض المفسرين عند شرح الآية الكريمة التي تقول: «وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله زوجك وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا».
ذهب هذا البعض إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى زينب بنت جحش يوما يسأل عن زيد، فأبصرها قائمة في درع وخمار، وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها، فقال: سبحان مقلب القلوب وانصرف، فلما جاء زيد ذكرت له ذلك، ففطن زيد، فألقي في نفس زيد كراهيتها في الوقت فأتى رسول الله يطلب مفارقتها.
هذه القصة التي طرحها البغوي في تفسيره للآية الكريمة تنطق بالسذاجة، وقد أربكت الكثير من المفسرين أشد الإرباك، فمنهم من حكاها ومنهم من عبر عليها، رغم تهافتها. فزينب بنت جحش هي ابنة عمة الرسول، ولم يكن النبي يراها للمرة الأولى حين طرق بابها يسأل عن زيد، فقد كان يعرفها جيداً، إذ كانت من أكثر سيدات بني هاشم حضورا في العديد من المواقف، والنبي هو من ذهب مع زيد وخطبها له، ولو كان للنبي رغبة فيها لطلبها لنفسه، وكانت زينب ستكون أسعد الناس بذلك، لكنه أرادها منذ البداية لربيبه زيد بن حارثة.
السر في تقديم هذه القصة الساذجة مرده الحيرة في تفسير قوله تعالى: «وتخفي في نفسك ما الله مبديه»، ويذهب «ابن كثير» إلى أن ما أخفاه النبي هو ما سبق وأعلمه الله له بأن زينب ستكون زوجة له، بمعنى أنه سيتزوج زينب بعد طلاقها من زيد.
كأن بعض المفسرين أرادوا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لديه الخبر من السماء بأنه سيتزوج زينب، وأنه أخفى ذلك في نفسه، وحين جاءه زيد يطلب تطليقها قال له: «أمسك عليك زوجك واتق الله». هذا الكلام من السذاجة بمكان، لأن من الوارد أن يكون ما أراد النبي إخفاءه هو أن العلاقة بين زيد وزينب ستنتهي بالطلاق عاجلاً أم آجلاً، لكن رغبته في إصلاح ذات البين بينهما غلبته.
وقد قضت حكمة الله تعالى أن يكون هذا الموقف مناسبة ليتعلم المسلمون منها أن رباط المحبة شىء ورباط الأنساب شىء آخر، وأن من صلاح المجتمع الفصل ما بين الرباطين، فالمحبة الإيمانية أساسها تأليف الله بين قلوب المؤمنين، أما رباط الأنساب فيتوجب ألا يخضع لأي خلط، فزيد ابن حارثة، وليس ابن محمد صلى الله عليه وسلم، والمجتمع يستقيم حينما يدعى الابن لأبيه: "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم".
واستكمالاً لهذا الدرس الإلهي كان من الطبيعي أن يكرم الله تعالى زينب بالزواج من النبي، حتى يتعلم المؤمنون أن بإمكانهم الزواج من مطلقة ربيبهم الذي تعهدوه بالرعاية: «فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا».